قال أبو جعفرٍ: فانْكَشف -لمَن كان مُشْكِلًا عليه أمرُ اليهودِ يومَئذٍ- كَذِبُهم وبُهْتُهم وبَغْيُهم على رسولِ اللهِ ﷺ وأصحابه، وظهَرت حُجَّةُ رسولِ اللهِ وحُجةُ أصحابِه عليهم، ولم تَزَلْ -والحمدُ للهِ- ظاهرةً عليهم وعلى غيرِهم مِن سائرِ أهلِ المللِ، وإنما أُمِرَ رسولُ اللهِ ﷺ أن يقولَ لهم: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ لأنهم -فيما ذكر لنا- قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] وقالوا: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١]. فقال اللهُ لنبيِّه محمدٍ ﷺ: قل لهم إن كنتم صادقين فيما تَزْعُمون فتَمنَّوُا الموتَ. فأبان اللهُ كَذِبَهم بامْتِناعِهم مِن تَمنِّى ذلك، وأفلَجَ حُجَّةَ رسولِ اللهِ ﷺ.
وقد اخْتَلف أهلُ التأويلِ في السببِ الذي مِن أجلِه أمَر اللهُ نبيَّه ﷺ أن يَدْعوَ اليهودَ إلى أن يَتمنَّوُا الموتَ، وعلى أىِّ وجهٍ أُمِروا أن يَتمنَّوه؛ فقال بعضُهم: أُمِروا أن يَتمنَّوه على وجهِ الدعاءِ على الفريقِ الكاذبِ منهما.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ، قال: حدَّثنى ابنُ إسحاقَ، قال: حدَّثنى محمدُ بنُ أبي محمدٍ، عن سعيدٍ، أو عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال اللهُ لنبيِّه ﷺ: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي: ادْعُوا بالموتِ على أىِّ الفريقين أكْذَبُ (٢).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ١٧٧ (٩٤٠) من طريق سلمة به. (٢) سيأتي بتمامه في ص ٢٧٢، ٢٧٣.