لما سُحِل فأُلْقِى في اليمِّ استقبلوا جِرْيةَ الماءِ، فشرِبوا حتى ملئوا بطونَهم، فأوْرَث ذلك مَن فعَله منهم جُبْنًا.
قال أبو جعفرٍ: وأَوْلَى التأويلين اللذين ذكَرتُ بقولِ اللهِ جل ثناؤُه: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾ تأويلُ مَن قال: وأُشْرِبوا في قلوبِهم حبَّ العجلِ؛ لأن الماء لا يُقالُ منه: أُشْرِب فلانٌ في قلبِه. وإنما يُقالُ ذلك في حبِّ الشئِ، فيُقالُ منه: أُشْرِب قَلْبُ فلانٍ حبَّ كذا. بمعنى: سُقِىَ ذلك حتى غلَب عليه وخالطَ قلبَه. كما قال زُهيرٌ (١):
ولكنه ترَك ذِكْرَ "الحبِّ" اكْتِفاءً بفهمِ السامعِ لمعنى الكلامِ؛ إذ كان معلومًا أن العجلَ لا يُشْرِبُ القلبَ، وأن الذي يُشْرِبُ القلبَ منه حبُّه. كما قال جل ثناؤُه:[﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾](٢)[الأعراف: ١٦٣]. ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢]. وكما قال الشاعر (٣):
حسِبتَ بُغامَ (٤) راحلتى عَناقًا (٥) … وما هي وَيْبَ (٦) غيرِك بالعَناقِ
يعني بذلك: حسبت بُغامَ راحلتى بُغامَ عناقِ.
(١) شرح ديوانه ص ٣٣٩. (٢) ليست في: الأصل. (٣) البيت في اللسان (و ى ب) (ب غ م)، وفى النوادر ص ١١٦، ومعانى القرآن للفراء ١/ ٦٢، منسوب لذى الخِرَق الطهوى يخاطب ذئبا تبعه في طريقه، وفى اللسان (ع ن ق) منسوب لقريط بن أنيف، وغير منسوب في مجالس ثعلب ١/ ٧٦. (٤) بغام الناقة: صوت لا تفصح به. اللسان (ب غ م). (٥) العناق: الأنثى من المعز. اللسان (ع ن ق). (٦) الويب: كلمة بمعنى ويل. اللسان (و ى ب).