أنفسَكم وتُخْرِجون فريقًا منكم من ديارِهم، متعاونين عليهم (١) في إخراجِكم إياهم بالإثمِ والعدوانِ. والتعاونُ هو التظاهرُ. وإنما قيل للتعاونِ: التظاهرُ. لتقويةِ بعضِهم ظهرَ بعضٍ، فهو تفاعُلٌ من الظَّهْرِ، وهو مساندةُ بعضِهم ظهرَه إلى ظهرِ بعضٍ.
والوجهُ الآخرُ أن يكونَ معناه: ثم أنتم، القومَ (٢)، تَقْتلون أنفسَكم، فيَرْجعُ إلى الخبرِ عن "أنتم"، وقد اعْتُرِضَ بينهم وبين الخبرِ عنهم بـ "هؤلاء"، كما تقولُ العربُ: أنا ذا أقوم، أنا ذا أَجْلِسُ. ولو قيل: أنا هذا يَجْلِسُ. كان صحيحًا جائزًا، وكذلك: أنت ذاك تقومُ.
وقد زعَم بعضُ البصريين أن قولَه: ﴿هَؤُلَاءِ﴾. في قولِه: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ [تنبيهٌ وتوكيدٌ](٣) لـ ﴿أَنْتُمْ﴾. وزعَم أنَّ "أنتم" وإن كانت كنايةَ أسماءِ جماعِ المخاطَبين، فإنما جاز أن يؤكَّدوا بـ "هؤلاء" - [و"هؤلاء" لا يؤكدُ بها] (٤) عن مخاطَبين- كما قال خُفافُ ابنُ نُدْبةَ (٥):
أقولُ له والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنَه … تأمَّلْ (٦) خُفافًا إنّنِى أنا ذَلكا
يريد: أنا هذا (٧). وكما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢].
ثم اختلف أهلُ التأويلِ في مَن عُنِىَ بهذه الآيةِ نحوَ اختلافِهم في من عُنِىَ بقولِه:
(١) في م، ت ١، ت ٢: "عليه". (٢) في م، ت ١، ت ٢: "قوم". (٣) في حاشية الأصل: "في الأم: تنبيه لا توكيد". (٤) في م: "وأولى لأنَّها كناية"، وفى ت ١، ت ٢: "وأولى لا يكنى بها". (٥) تقدم في ١/ ٢٣٠. (٦) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تبين". (٧) في الأصل: "هو".