التي تُصيبُ الناسَ، وهم أطولُ الناسِ أعمارًا، وليس فيهم مسكينٌ ولا فقيرٌ، ولا فَظٌّ ولا غَلِيظٌ، فلمَّا رأَى ذلك ذو القرنَين من أمرِهم، عَجِبَ منه وقال: أخبِرُوني أيُّها القومُ خَبرَكم، فإنِّى قد أحصَيتُ الأرضَ كلَّها؛ بَرَّها وبحرَها، وشَرقَها وغَربَها، ونورَها وظُلمَتَها، فلم أجِد مثلَكم، فأخبِرُونى خَبَركم! قالوا: نعم، فسَلنا عمَّا تُريدُ. قال: أخبِرُوني، ما بالُ قبورِ مَوتاكم على أبوابِ بيوتِكم؟ قالوا: عَمدًا فَعَلنا ذلك؛ لِئَلَّا نَنسَى الموتَ، ولا يَخرُجَ ذِكرُه مِن قلوبِنا. قال: فما بال بيوتِكم ليس عليها أبوابٌ؟ قالوا: ليس فِينا مُتَّهمٌ، وليس منا إلَّا أمينٌ مُؤتمَنٌ. قال: فما بالُكم (١) ليس عليكم أمراءُ؟ قالوا: لا نَتَظالَمُ. قال: فما بالُكم ليس عليكم (٢) حُكَّامٌ؟ قالوا: لا نَخْتَصِمُ. قال: فما بالُكم ليس فيكم أغنياءُ؟ قالوا: لا نتَكاثَرُ. قال: فما بالُكم ليس فيكم ملوكٌ؟ قالوا: لا نتَكابَرُ. قال فما بالُكم لا تتَنازَعُون ولا تَختَلِفون؟ قالوا: مِن قِبَلِ أُلفَةِ قلوبِنا وصَلاحِ ذاتِ بينِنا. قال: فما بالُكم لا تَستبُّون ولا تَقتَتِلون؟ قالوا: من قِبَلِ أَنَّا غَلَبْنا طبائِعَنا بالعزمِ، وسُسنا أنفُسَنا بالأحلامِ. قال: فما بالُكم كلِمَتُكم واحدةٌ، وطريقَتُكم مُستقيمَةٌ مُستَويةٌ؟ قالوا: مِن قِبَلِ أَنَّا لا نَتكاذبُ، ولا نَتَخادَعُ، ولا يَغتابُ بعضُنا بعضًا. قال: فأَخْبِرُونى مِن أينَ تَشابَهَتْ قلوبُّكم، واعتدَلتْ سِيرَتُكم؟ قالوا: صحَّت صُدُورُنا، فنُزِع بذلك الغِلُّ والحسدُ من قلوبِنا. قال: فما بالُكم ليس فيكم مِسكينٌ ولا فقيرٌ؟ قالوا: مِن قِبَلِ أَنَّا نَقسِمُ (٣) بالسَّويةِ. قال: فما بالُكم ليس فيكم فظٌّ ولا غَلِيظٌ؟ قالوا: من قِبَلِ الذُّلِّ والتَّواضُعِ. قال: فما بالُكم (٤) أطولَ الناسِ أعمارًا؟ قالوا: مِن
(١) في م: "لكم". (٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ف: "فيكم". (٣) في الأصل، م: "نقتسم". (٤) في الأصل، ص، م، ت ٢ ف: "جعلكم". وفى الدر المنثور: "بالكم جعلتم".