جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾. قال: أَراه اللهُ من الآياتِ في طريق بيتِ المقدسِ حين أُسْرِى به؛ نزَلت فريضةُ الصلاةِ ليلةَ أُسْرِى به، [وأُسْرِى به](١) قبلَ أن يهاجرَ بسنةٍ ولتسعِ (٢) سنينَ من العشْرِ التي مكثها بمكةَ، ثم رجع من ليلتِه، فقالت قريشٌ: أتَعشَّى فينا وأصبَح فينا، ثم زعَم أنه جاء الشامَ في ليلةٍ ثم رجَع؟! وايمُ اللهِ إن الحِدَأةَ لتجيئُها شهرين (٣)؛ شهرًا مقبلةً، وشهرًا مُدبرةً (٤).
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾. قال: هذا حينَ أُسْرِى به إلى بيتِ المقدسِ، افتُتِن فيها ناسٌ، فقالوا: يذهَبُ إلى بيتِ المقدسِ ويرجِعُ في ليلةٍ! وقال: "لمَّا أتَانِي جبريلُ ﵇ بالبُراقِ ليحْمِلَني عليها صرَّت بأذنَيها، وانقبضَ بعضُها إلى بعضٍ، فنظَر إليها جبريلُ، فقال: والذي بعثَني بالحقِّ من عنده ما ركِبَك أحدٌ من ولدِ آدم خيرٌ منه". قال:"فصرَّت بأذنَيها وارْفَضَّت (٥) عَرَفًا حتى سال ما تحتَها، وكان مُنتهَى خطوِها (٦) عندَ مُنتهَى طرفِها". فلما أتاهم بذلك، قالوا: ما كان محمدٌ لينتهِىَ حتى يأتى بكِذْبةٍ تخرُجُ من أقطارِها. فأَتَوْا أبا بكرٍ ﵁، فقالوا: هذا صاحبُك يقولُ كذا وكذا. فقال: أوَقد قال ذلك؟ قالوا: نعم. فقال: إن كان قد قال ذلك فقد صدَق. فقالوا: تصدِّقُه إن قال ذهَب (٧) إلى بيتِ المقدسِ ورجَع في ليلةٍ؟! فقال أبو بكرٍ: إى، نزَع اللهُ عقولَكم، أُصدِّقُه بخبرِ السماء، والسماءُ أبعدُ من بيتِ المقدسِ، ولا أصدِّقُه بخبرِ بيتِ المقدسِ؟! قالوا للنبيِّ ﷺ: إنا قد جئنا بيتَ المقدسِ،
(١) سقط من: م. (٢) في م: "تسع". (٣) سقط من: ت ١. (٤) ينظر التبيان ٦/ ٤٩٤. (٥) ارفضَّ عرقًا: أي جرى عرقه وسال. النهاية ٢/ ٢٤٣. (٦) في ف: "خطوتها". (٧) في ت ١، ت ٢، ف: "ذهبت".