ودليله قوله -عز وجل-: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أي: الذين آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - (١).
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} كافرون (٢).
وقيل: فآتينا الذين آمنوا منهم وهم أهل الرأفة والرحمة والرهبانية التي ابتدعوها طلبًا لمرضاة الله، {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها وكفروا بدين عيسى -عليه السلام- وتهودوا (٣) وتنصروا وبنحو ما فسرنا ورد فيه الآثار (٤).
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- كنت رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال لي:"يا ابن أم عبد، هل تدري من أين اتَّخذت بنو إسرائيل الرهبانية"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى" -عليه السلام- يعملون بمعاصي الله، فغضب عليهم أهل الإيمان فقاتلوهم، فانهزم أهل الإيمان ثلات مرات، فلم يبق منهم إلاَّ قليل، فقالوا: إنَّ ظهر هؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمي الذي وعدنا عيسى ابن مريم، يعنون محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، فتفرقوا في غيران الجبال، وأحدثوا رهبانية، فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر، ثم تلا هذِه الآية: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا
(١) انظر: "جامع البيان" للطبري ٢٧/ ٢٤١، "زاد المسير" لابن الجوزي ٨/ ١٧٧، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٧/ ٢٦٤. (٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٣١. (٣) كتب في الأصل تحت هذِه الكلمة كلمة غير واضحة لم أميزها. (٤) انظر: نحوه في "جامع البيان" ٢٧/ ٢٤٠، "معالم التنزيل" للبغوي ٨/ ٤٢.