نزلت في اليهود وذلك لما أنزل الله تعالى قوله:{يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ} إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} ففضحهم الله (١)، وذكر عيوبهم وذنوبهم، غضبوا وقالوا:{مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}، وجحدوا كل ما أنزل الله تعالى، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}(٢)، وأنزل {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}.
{كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} جعله الله سبحانه ثاني المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في موضعين من كتابه، في أخذ الميثاق، قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}(٣)، وفي الوحي فقال:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}.
فإن قيل: ما الحكمة في تقديم نوح على سائر الأنبياء، وفيهم من هو أفضل منه؟ يقال: لأنه كان أبا البشر، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَتِهُ هُوُ الْبَاقِينَ (٧٧)} (٤)، وقيل: لأنه أول نبي من أنبياء الشريعة، وأول داع ونذير على الشرك.
(١) أخرج ذلك الطبري في "جامع البيان" ٦/ ٢٧ عن الربيع بن خثيم، وعن محمد بن كعب القرظي ٦/ ٢٨، وابن أبي حاتم في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ١١١٨، عن ابن عباس، وابن المنذر، كما في "الدر المنثور" ٢/ ٤٣٥. والمصنف رحمه الله روى القصة بالمعنى. (٢) الأنعام: ٩١. (٣) الأحزاب: ٧. (٤) الصافات: ٧٧.