ثم أجمع ابن أبي حذيفة على بعث جيش إلى عثمان، فجهّز إليه ستّ مائة رجل عليهم عبد الرّحمن بن عديس البلوي (١).
ثم قتل عثمان في ذي الحجّة منها (٢)، فثار شيعة عثمان بمصر، وعقدوا لمعاوية بن حديج، وبايعوه على الطّلب بدم عثمان، وساروا إلى الصّعيد، فبعث إليهم ابن أبي حذيفة خيلا فهزمت.
ومضى ابن حديج إلى برقة، ثم رجع إلى الإسكندرية، فبعث إليه ابن أبي حذيفة بجيش آخر، فاقتتلوا بخربتّا في أوّل شهر رمضان سنة ستّ وثلاثين، فانهزم الجيش، وأقامت شيعة عثمان بخربتّا (٣).
وقدم معاوية بن أبي سفيان يريد الفسطاط، فنزل سلمنت في شوّال، فخرج إليه ابن أبي حذيفة في أهل مصر فمنعوه، ثم اتّفقا على أن يجعلا رهنا ويتركا الحرب. فاستخلف ابن أبي حذيفة على مصر الحكم بن الصّلت، وخرج في الرّهن هو وابن عديس وعدّة من قتلة عثمان، فلمّا بلغوا لدّا سجنهم معاوية بها وسار إلى دمشق، فهربوا من السّجن، وتبعهم أمير فلسطين فقتلهم في ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين (٤).
قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، ولاّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ﵁ لمّا بلغه مصاب ابن أبي حذيفة، وجمع له الخراج والصّلاة. فدخل مصر مستهلّ ربيع الأوّل سنة سبع وثلاثين، فاستمال الخارجيّة بخربتّا شيعة عثمان، وبعث إليهم أعطياتهم، ووفد عليه وفدهم فأكرمهم. وكان من ذوي الرّأي، فجهد عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان على أن يخرجاه من مصر ليغلبا على أمرها، فإنّها كانت من جيش عليّ ﵁ فامتنع منهما بالدّهاء والمكايدة، فلم يقدرا على مصر، حتّى كاد معاوية قيسا من قبل عليّ ﵁ فأشاع أنّ قيسا من شيعته، وأنّه يبعث إليه بالكتب والنّصيحة سرّا (٥).
(١) الكندي: ولاة مصر ٣٩ - ٤١. (٢) انظر حول مقتل عثمان والفتنة: Hinds، G.M.، «The Murder of the Caliph Uthm?n»، IJMES ٣، pp. ٤٥٠ - ٦٩ (١٩٧٢) ودراسة هشام جعيط المتميزة Djait، H.، La grande discorde.Religion et politique dans l'Islam des origines، Paris-Gallimard ١٩٨٩ نقلها إلى العربية خليل أحمد خليل بعنوان: الفتنة - جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، بيروت - دار الطليعة ١٩٩٢. (٣) الكندي: ولاة مصر ٤١ - ٤٢. (٤) نفسه ٤٢ - ٤٣. (٥) نفسه ٤٤ - ٤٥.