ثم ابتذلت (a) الأصناف المذكورة حتى صار يلبس السّمّور آحاد الأجناد وآحاد الكتّاب وكثير من العوامّ، ولا تكاد امرأة من نساء بياض النّاس تخلو من لبس السّمّور ونحوه، وإلى الآن عند النّاس من هذا الصّنف وغيره من الفرو شيء كثير.
سوق البخانقيّين (١)
هذا السّوق فيما بين سوق الجملون الكبير وبين قيساريّة الشّرب الآتي ذكرها إن شاء اللّه/ عند ذكر القياسر. وباب هذا السّوق شارع من القصبة، ويعرف بسوق الخشيبة (تصغير خشبة) فإنّه عمل على بابه المذكور خشبة تمنع الرّاكب من التّوصّل إليه.
ويسلك من هذا السّوق إلى قيساريّة الشّرب وغيرها، وهو معمور الجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع الكوافي والطّواقي التي تلبسها الصّبيان والبنات. وبظاهر هذا السّوق أيضا في القصبة عدّة حوانيت لبيع الطّواقي وعملها.
وقد كثر لبس رجال الدّولة، من الأمراء والمماليك والأجناد ومن يتشبّه بهم، للطّواقي في الدّولة الجركسيّة، وصاروا يلبسون الطّاقيّة على رءوسهم بغير عمامة، ويمرّون كذلك في الشّوارع والأسواق والجوامع والمواكب لا يرون بذلك بأسا بعد ما كان نزع العمامة عن الرّأس عارا وفضيحة (٢)، ونوّعوا هذه الطّواقي ما بين أخضر وأحمر وأزرق وغيره من الألوان. وكانت أوّلا ترتفع نحو سدس ذراع، ويعمل أعلاها مدوّرا مسطّحا. فحدث في أيام الملك النّاصر فرج منها شيء عرف بالطّواقي الجركسيّة، يكون ارتفاع عصابة الطّاقيّة منها نحو ثلثي ذراع، وأعلاها مدوّر مغبّب. وبالغوا في تبطين الطّاقيّة بالورق والكتيرة فيما بين البطانة المباشرة للرأس والوجه الظّاهر للنّاس، وجعلوا من أسفل العصابة المذكورة زيقا من فرو القرض الأسود يقال له القندس (٣)، في عرض نحو ثمن ذراع، يصير دائرا بجبهة الرّجل وأعلى عنقه. وهم على استعمال هذا الزّيّ إلى اليوم، وهو من أسمج ما عانوه.
(a) بولاق: تبذلت. (١) حاشية بخط المؤلّف: «البخنق شيء تتّخذه النّساء يشبه البراقع له أزرار من خلف». (٢) قارن ذلك بعادة لبس الطّربوش في مصر، قبل إلغائه. (٣) القندس ويقال كذلك المقندس. القماش المنسوج -