فلمّا كسر سدّ الخليج، توقّفت الزّيادة مدّة أيّام، ثم زاد وتوقّف إلى أن دخل تاسع توت والماء على سبعة عشر ذراعا وتسعة أصابع. ثم زاد في يوم تسعة أصابع، واستمرّت الزّيادة حتى صار على ثمانية عشر ذراعا وستة أصابع. ففاض الماء، وانقطع طريق النّاس فيما بين القاهرة ومصر وفيما بين كوم الرّيش والمنية، وخرج من جانب المنية وغرّقها.
فكتب بفتح جميع التّرع والجسور بسائر الوجه القبلي والبحري، وكسر بحر أبي المنجّا،/ وفتح سدّ بلبيس وغيره قبل عيد الصّليب، وغرقت الأقصاب والزّراعات الصيفية (١).
وعمّ الماء ناحية منية السّيرج وناحية شبرا، فخربت الدّور التي هناك، وتلف للنّاس مال كثير:
من جملته زيادة على ثمانين ألف جرّة خمر فارغة تكسّرت في ناحية المنية وشبرا عند هجوم الماء، وتلفت مطامير الغلّة من الماء حتى بيع قدح القمح بفلس - والفلس يومئذ جزء من ثمانية وأربعين جزءا من درهم - وصار من بولاق إلى شبرا بحرا واحدا تمرّ فيه المراكب للنّزهة في بساتين الجزيرة إلى شبرا، وتلفت الفواكه والمشمومات، وقلّت الخضر التي يحتاج إليها في الطّعام، وغرقت منشأة المهراني.
وفاض الماء من عند خانقاه رسلان (٢) وأفسد بستان الخشّاب، واتّصل الماء بالجزيرة التي تعرف بجزيرة الفيل إلى شبرا، وغرقت الأقصاب التي في الصّعيد، فإنّ الماء أقام عليها ستة وخمسين يوما، فعصرت كلّها عسلا فقط، وخربت سائر الجسور وعلاها الماء، وتأخّر هبوطه عن الوقت المعتاد، فسقطت عدّة دور بالقاهرة ومصر، وفسدت منشأة الكتّاب المجاورة لمنشأة المهراني؛ فلذلك عمل السّلطان الجسر المذكور خوفا على القاهرة من الغرق.
الجسر بوسط بحر (a) النّيل
وكان سبب عمل هذا الجسر أنّ ماء النّيل قوي رميه على ناحية بولاق (b)) في سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة (b)، وهدم جامع الخطيري، ثم جدّد، (b)) فرسم الملك النّاصر محمد بن قلاوون لسكّان البحر بعمل زرابي قدّام بيوتهم، وأن لا يؤخذ عليها حكر، وكتب بذلك
(a) إضافة من مسودة الخطط. (b-b) إضافة من مسودة الخطط. (١) انظر عن عيد الصّليب، فيما تقدم ٧٢١: ١ - ٧٢٤. (٢) خانقاه رسلان (أرسلان)، فيما يلي ٤٢٣: ٢.