للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّين (١) وليها بعد أبيه عزّ الدّين، ووليها عزّ الدّين بعد بدر الدّين أحمد بن محمّد بن محمّد ابن الصّاحب بهاء الدّين. فلمّا مات صاحبنا شمس الدّين محمد بن الصّاحب لليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثمان مائة، وضع بعض نوّاب القضاة يده على ما بقي لها من وقف.

وأقامت هذه المدرسة مدّة أعوام معطّلة من ذكر اللّه وإقام الصّلاة، لا يأويها أحد لخراب ما حولها، وبها شخص يبيت بها كي لا يسرق ما بها من أبواب ورخام.

وكان لها خزانة كتب جليلة، فنقلها شمس الدّين محمد بن الصّاحب وصارت تحت يده إلى أن مات، فتفرّقت في أيدي الناس، وكان قد عزم على نقلها إلى شاطئ النيل بمصر، فمات قبل ذلك.

ولمّا كان في سنة اثنتي عشرة وثمان مائة أخذ الملك الناصر فرج بن برقوق عمد الرّخام التي كانت بهذه المدرسة - وكانت كثيرة العدد، جليلة القدر - وعمل بدلها دعائم تحمل السّقوف؛ إلى أن كانت أيّام الملك المؤيّد شيخ، وولي الأمير تاج الدّين الشّوبكي الدّمشقي ولاية القاهرة ومصر وحسبة البلدين وشدّ العمائر السّلطانيّة، فهدم هذه المدرسة في أخريات سنة سبع عشرة وأوائل سنة ثماني عشرة وثمان مائة. وكانت من أجلّ مدارس الدّنيا، وأعظم مدرسة بمصر يتنافس الناس من طلبة العلم في التّنزّل (a) بها، ويتشاحنون في سكنى بيوتها، حتى يصير البيت الواحد من بيوتها يسكن فيه الاثنان من طلبة العلم والثلاثة؛ ثم تلاشى أمرها حتى هدمت، وسيجهل عن قريب موضعها؛ وللّه عاقبة الأمور.

المدرسة الصّاحبيّة

هذه المدرسة بالقاهرة في سويقة الصّاحب، كان موضعها من جملة دار الوزير يعقوب ابن كلّس، ومن جملة دار الدّيباج. أنشأها الصّاحب صفيّ الدّين عبد اللّه بن عليّ بن شكر،


(a) بولاق: النزول.
(١) انظر ترجمة شمس الدّين محمد بن أحمد بن محمد ابن الصّاحب بهاء الدّين، المتوفى سنة ٨١٣ هـ/ ١٤١٠ م، عند المقريزي: درر العقود الفريدة ٢٠٥: ٣ - ٢٠٦؛ ابن حجر: إنباه الغمر ٤٧٥: ٢، ذيل الدرر الكامنة ٢١١؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ٨٨: ٩؛ الصيرفي: نزهة النفوس ٢٧٨: ٢؛ السخاوي: الضوء اللامع ٨٨: ٧.