للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجامع بجوار تربة الشّافعيّ بالقرافة

هذا الجامع كان مسجدا صغيرا، فلمّا كثر النّاس بالقرافة الصّغرى، عند ما عمّر السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب المدرسة بجوار قبر الإمام الشّافعيّ وجعل لها مدرّسا وطلبة (١) زاد الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب في المسجد المذكور، ونصب به منبرا، وخطب فيه، وصلّيت الجمعة به في سنة سبع وستّ مائة.

[جامع محمود بالقرافة]

هذا المسجد قديم، والخطبة فيه متجدّدة، وينسب لمحمود بن سالم بن مالك الطّويل، من أجناد السّريّ بن الحكم أمير مصر بعد سنة مائتين من الهجرة (٢).

قال القضاعيّ: المسجد المعروف بمحمود، يقال إنّ محمودا هذا كان رجلا جنديّا من جند السّريّ بن الحكم أمير مصر، وإنّه هو الذي بنى هذا المسجد. وذلك أنّ السّريّ بن الحكم ركب يوما فعارضه رجل في طريقه فكلّمه ووعظه بما غاظه، فالتفت عن يمينه فرأى محمودا فأمره بضرب عنق/ الرجل، ففعل.

فلمّا رجع محمود إلى منزله تفكّر وندم، وقال: رجل يتكلّم بموعظة بحقّ فيقتل بيدي وأنا طائع غير مكره على ذلك! فهلاّ امتنعت؟ وكثر أسفه وبكاؤه، وآلى على نفسه أن يخرج من الجنديّة ولا يعود فيها، ولم ينم ليلته من الغمّ والنّدم.

فلمّا أصبح غدا إلى السّرىّ فقال له: إنّي لم أنم في هذه الليلة على قتل الرّجل، وأنا أشهد اللّه ﷿ وأشهدك أنّي لا أعود في الجنديّة، فأسقط اسمي منهم، وإن أردت نعمتي فهي بين يديك. وخرج من بين يديه، وحسنت توبته، وأقبل على العبادة، واتّخذ


(١) انظر فيما يلي ٦٣١؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٥٤: ٦ - ٥٥؛ السّيوطي: حسن المحاضرة ٢٥٧: ٢ - ٢٥٩.
(٢) الموفق بن عثمان: مرشد الزوار ٤٢٨، ٦٠٣ وفيه: وهو صاحب الجامع الذي بسفح المقطّم.