للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآخر من أدركنا فيه الشّيخة الصّالحة، سيّدة نساء زمانها، أمّ زينب فاطمة بنت عبّاس البغدادية، توفّيت في ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبع مائة، وقد أنافت على الثمانين. وكانت فقيهة وافرة العلم، زاهدة قانعة باليسير، عابدة واعظة، حريصة على النفع والتّذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف، انتفع بها كثير من نساء دمشق ومصر، وكان لها قبول زائد، ووقع في النفوس (١).

وصار بعدها كلّ من قام بمشيخة هذا الرّباط من النساء يقال لها «البغدادية». وأدركنا الشّيخة الصّالحة البغدادية أقامت به عدّة سنين على أحسن طريقة، إلى أن ماتت يوم السبت لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ستّ وتسعين وسبع مائة.

وأدركنا هذا الرّباط، وتودع فيه النساء اللاتي طلّقن أو هجرن، حتى يتزوّجن أو يرجعن إلى أزواجهن، صيانة لهن لما كان فيه من شدّة الضّبط، وغاية الاحتراز، والمواظبة على وظائف العبادات. حتى إنّ خادمة الفقيرات به كانت لا تمكّن أحدا من استعمال إبريق ببزبوز، وتؤدّب من خرج عن الطريق بما تراه.

ثم لمّا فسدت الأحوال من عهد حدوث المحن بعد سنة ستّ وثمان مائة (a)، تلاشت أمور هذا الرّباط، ومنع مجاوروه من سجن النساء المعتدّات به، وفيه إلى الآن بقايا من خير، ويلي النظر عليه قاضي القضاة الحنفي.

رباط السّتّ كليه (b)

هذا الرّباط خارج درب بطّوط، من جملة حكر سنجر اليمني، ملاصق السّور الحجر بخطّ سوق الغنم وجامع أصلم. وقفه الأمير علاء الدّين (c) بن (c) البرواناه (d) على السّت كليه (b)، المدعوة دولاي، ابنة عبد اللّه التّترية، زوج الأمير سيف الدّين اليرلي (e) السّلاحدار الظّاهري، وجعله مسجدا ورباطا، ورتّب فيه (c) صوفيّة و (c) إماما ومؤذّنا، وذلك في ثالث عشر (f) شوّال سنة


(a) العبارة في المسوّدة: «عند فساد الزمان بعد الثمان مائة».
(b) بولاق: كليلة.
(c) (c-c) من المسودّة.
(d) بولاق: البراباه.
(e) بولاق: البرلي.
(f) بولاق: عشرين.
(١) واضح أنّ هذه العبارة ليست على لسان المقريزي، فالشّيخة المذكورة توفيت سنة ٧١٤ هـ أي قبل ميلاد المقريزي بأكثر من أربعين عاما.