للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما زال هذا الرّبع معمورا بالملذّات (a)، آهلا بكثرة المسرّات إلى أن كانت سنة الغرقة - وهي سنة خمس وخمسين وسبع مائة - فخربت دور كوم الرّيش وغيرها، ووصل ماء النّيل إلى قنطرة الحاجب، فخرب ربع الزّيتي وأهمل أمره، حتى صار كوما عظيما، تجاه قنطرة الحاجب وغيط الحاجب. وسمعت من أدركته يخبر عن هذا الرّبع بعجائب من الملاذ التي كانت فيه.

وكانت العامّة تقول في هزلها: «ستّي أين كنتي وأين رحتي وأين جيتي. قالت: من ربع الزّيتي»:

[الكامل]

ثمّ انقضت تلك السّنون وأهلها … فكأنّها وكأنّهم أحلام (١)

الدّار التي في أوّل البرقيّة من القاهرة التي حيطانها حجارة بيض منحوتة

هذه الدّار بقي منها جدار على يمين من سلك من المشهد الحسيني يريد باب البرقيّة، وبقي منها أيضا جدار على يمين من سلك من رحبة الأيدمري إلى باب البرقيّة. وهي دار الأمير صبيح ابن شاهنشاه، أحد أمراء الدّولة الفاطمية في أيام الصّالح طلائع بن رزّيك، وكانت في غاية الكبر والتّخشين. قال بعض أصحاب الصّالح: يا مولانا أبقاك اللّه حتى تتمّ دار ابن شاهنشاه.

وكان الضّرغام، قبل أن يلي وزارة مصر، قد فرّس العادل أبا شجاع رزّيك بن الصّالح طلائع ابن رزّيك، فظهر منه فارسا في غاية الفروسية، بحيث أنّه قد حضر في يوم عيد الحلقة، وأخذ رمحا وحربة وقوسا وسهما، فأخذ الحلقة بالرّمح، ورمى بالسّهم فأصاب الغرض، وجدّف بالحربة فأثبتها في المرمى، ولعب بالرّمح في غاية الحسن. ثم دخل صبيح بن شاهنشاه، فعمل مثل ذلك. فتحرّك الضّرغام - وكان يلبس عمامة بعذبة وأكمام واسعة على زيّ المصريين يومئذ - فتلثّم بعذبته، ولفّ أكمامه، وأخذ رمحه، ولعب به في غاية الحسن، وطرد كذلك، ودخل في الحلقة وأخذها. فعجب منه كلّ من في العسكر، فأخذ عند ذلك الأمير صبيح بن شاهنشاه المبخرة، وأتى إليه. وقال: يا مولاي كفاك اللّه أمر العين، فإنّ هذا شيء لا يقدر عليه أحد.

وجعل يدور حول فرسه ويبخّره، والضّرغام يبتسم ويعجبه ذلك.


(a) بولاق: اللذات.
(١) المقريزي: مسودة الخطط ١٥٠ و.