للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقيم عليه حافظا - وهو الذي يسمّى التّرسيم - أو يأمر غريمه بملازمته. ومن قال: له أن يتّخذ حبسا، احتجّ بفعل عمر بن الخطّاب .

ومضت السّنّة في عهد رسول اللّه ، وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ أنّه لا يحبس على الدّيون، ولكن يتلازم الخصمان. وأوّل من حبس على الدّين شريح القاضي.

وأمّا الحبس الذي هو الآن، فإنّه لا يجوز عند أحد من المسلمين. وذلك أنّه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكّنين من الوضوء والصّلاة، وقد يرى بعضهم عورة بعض، ويؤذيهم الحرّ في الصّيف والبرد في الشّتاء، وربّما يحبس أحدهم السّنة وأكثر ولا حدة له، وأنّ أصل حبسه على ضمان.

وأمّا سجون الولاة فلا يوصف ما يحلّ بأهلها من البلاء، واشتهر أمرهم أنّهم يخرجون مع الأعوان في الحديد حتى يشحذوا، وهم يصرخون في الطّرقات: الجوع. فما تصدّق به عليهم لا ينالهم منه إلاّ ما يدخل بطونهم، وجميع ما يجتمع لهم من صدقات النّاس يأخذه السّجّان وأعوان الوالي، ومن لم يرضهم بالغوا في عقوبته. وهم مع ذلك يستعملون في الحفر وفي العمائر، ونحو ذلك من الأعمال الشّاقّة، والأعوان تستحثّهم. فإذا انقضى عملهم ردّوا إلى السّجن في حديدهم من غير أن يطعموا شيئا إلى غير ذلك ممّا لا يسع حكايته هنا. وقد قيل إنّ أوّل من وضع السّجن والحرس معاوية.

وقد كان في مدينة مصر وفي القاهرة عدّة سجون، وهي: حبس المعونة بمصر، وحبس الصّيّار بمصر، وخزانة البنود بالقاهرة، وحبس المعونة بالقاهرة، وخزانة شمائل، وحبس الدّيلم، وحبس الرّحبة والجبّ بقلعة الجبل.

[حبس المعونة بمصر]

ويقال أيضا «دار المعونة». كانت أوّلا بالشّرطة، وكانت قبلي جامع عمرو بن العاص. وأصله خطّة قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري . اختطّها في أوّل الإسلام - وقد كان موضعها فضاء - وأوصى فقال: إن كنت بنيت بمصر دارا، واستعنت فيها بمعونة المسلمين، فهي للمسلمين ينزلها ولاتهم. (١)


(١) هنا على هامش (ص): «وأحدث الأمير زين الدّين يحيى الأشقر الأستادّار سجنا بخطّ بين السّورين وسمّاه ب «القاعة» من أخبث السّجون وأضيقها، عليه من اللّه ما يستحقه».