للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(a)) ذكر مدارات الطّواحين

اعلم أنّه (b) كان بالقاهرة ومصر عدّة مدارات يطحن فيها القمح دقيقا، وآخر ما أحصيته بعد سنة ستّين وسبع مائة في أيّام الأمير يلبغا الخاصّكي المتحكّم في أحوال الدّولة، فبلغت أربع مائة وخمسين مدارا. ولمّا تقلّدت حسبة القاهرة سنة إحدى وثمان مائة من الملك الظّاهر برقوق كانت مائتين وخمسين مدارا؛ ثم لمّا حدثت المحن سنة ستّ وثمان مائة تلاشت حتى إنّها اليوم لا تتجاوز المائة مدار. وأمر النّاس في القاهرة ومصر في الدّقيق على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: «العامّة» وأكثر أكلهم الخبز يشرى (b) من السّوق عند الغذاء والعشاء؛ وأنا اعتبرت ما تحتاج إليه الأخباز التي بأسواق القاهرة وما يتعلّق بها من الدّقيق في كلّ يوم فبلغ في اليوم ما بين ألف إردبّ قمحا وثمان مائة إردبّ، هذا غير ما يحمل من الأرياف إلى الأفران من الدّقيق المجلوب وقد تبلغ ثلث ما ذكرنا وأزيد.

وكانت (c) «الجرايات السّلطانيّة» تقام لها مدارات بجوار الصّناعة من مدينة مصر، أدركتها عامرة يحمل إليها القمح من الأهراء بمصر، ولهذه المدارات ناظر وديوان وشهود وشادّ.

فلمّا كانت المحن المذكورة وبطل ذلك وصار يوجد الدّقيق للدّار السّلطانية من الطّحّانين بثمن بخس وتارات بغير ثمن، ثم تلاشت الجرايات السّلطانية وبقيت نذرا يسيرا؛ فهذان قسمان.

والقسم الثّالث: «بياض النّاس» من الأمراء والأجناد والكتّاب والأعيان من القضاة والفقهاء والتّجّار، فأكثرهم يصنع الخبز على يده في داره، وكثير منهم يأكل من السّوق، إمّا يشتري الدّقيق ويعجنه خدمه، وإمّا يشتري الخبز معمولا (a) (١).


(a-a) فقرة مضافة توجد فقط في نسخة تيمور رقم ١١٠ بلدان.
(b) نسخة التيمورية: يشرا.
(c) الأصل: كان.
(١) هذه الفقرة التي تقدّم لنا معلومات هامّة عن تموين القاهرة بالخبز في العصر المملوكي، لا توجد إلاّ في نسخة الخطط المحفوظة في المكتبة التيمورية الملحقة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١١٠ بلدان تيمور! ودلّني عليها العالم الجليل والآثاري الكبير الأستاذ عبد الرحمن عبد التّواب الذي أتيحت له فرصة الاطّلاع على العديد من مخطوطات الخطط، فالشكر الجزيل له على صادق تعاونه، وتمنياتي له أن يمتّعه اللّه بموفور الصّحّة والعافية. وهي توجد في النّسخة في ورقة ٤٧٣ ظ - ٤٧٤ وبين نهاية «ذكر السّجون» وبداية «ذكر المواضع المعروفة بالصّناعة». وواضح أنّها كانت في طيّارة بين أوراق النّسخة المنقول عنها، ووضعها ناسخ النّسخة في هذا المكان. وقد رأيت نقلها إلى نهاية ذكر الأسواق لأنّها به أليق.