إنّ عدد المصادر التي اعتمد عليها المقريزي في تأليف كتابه «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» هائل حقّا، ويوضّح لنا أنّ المقريزي اعتمد على مكتبة غنيّة بالمصادر المتنوّعة، وأنّ مكتبات مدارس القاهرة - التي كان يتردّد عليها المقريزي - كانت تمثّل ثروة ضخمة من مؤلّفات علماء المسلمين السّابقين. فقد كانت القاهرة في عصر سلاطين المماليك هي مركز الجذب الثّقافي والعلمي للعالم الإسلامي بعد سقوط بغداد في سنة ٦٥٦ هـ/ ١٢٥٨ م، وانتقل إليها القسم الأكبر من المؤلّفات التي نجت من كارثة اجتياح المغول لمقرّ الخلافة الإسلامية في بغداد، وتوزّع القسم الآخر من هذه الكتب على مكتبات بلاد الشّام وعلى الأخصّ حلب ودمشق، وعلى ذلك فإنّه بعد أقلّ من قرن من وفاة المقريزي ومع الفتح العثماني لبلاد الشّام ومصر، انتقل القسم الأكبر من هذه الكتب إلى دار الخلافة الجديدة في استانبول ومن بينها أصول المقريزي نفسه التي كتبها بخطّه أو التي نقلت من خطّه (١).
وفي دراسة رائدة عن النّقوش التاريخية الموجودة على العمائر الدّينية والحربيّة والمدنيّة في مصر الإسلامية صدرت عام ١٨٩١ م، أشار عالم الكتابات الأثرية السّويسري ماكس فان برشم Max Van Berchem (١٨٦٣ - ١٩٢١ م) إلى الأهمية التي يمكن أن تعود بها دراسة عن مصادر المقريزي في الخطط (٢)؛ وأكّد على ذلك أيضا المستشرق الرّوسي إغناطيوس كراتشكوفسكي Ignati Iulianovich Krachkovski (١٨٨٣ - ١٩٥١ م) الذي أشار في كتابه الرّائد «تاريخ الأدب الجغرافي العربي» إلى أنّ دراسة مصادر المقريزي في «الخطط» تحتاج إلى بحث خاصّ لن يخلو من الأهمية (٣).
وفي سنة ١٩٠٢ م كتب المستشرق الإنجليزي روفن جست Rueven Guest مقالا مسهبا (٤) عدّد فيه عناوين مصادر المقريزي في «الخطط» اعتمادا على طبعة بولاق، وهو لا يزعم أنّ القائمة
(١) انظر، أيمن فؤاد سيد: الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، ٢٤٦ - ٢٦٠، و «دور تركيا العثمانية في حفظ التراث العربي»، مجلة معهد المخطوطات العربية ٤٤ (نوفمبر ٢٠٠٠)، ١٤١ - ١٥١. (٢) van Berchem، M.، «Notes d'archeologie arabe-Monuments et inscriptions fatimites»، JA (Mai-Juin ١٨٩١)، pp. ٤٣٠ - ٣١ n. ٢. (٣) كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي العربي ٥٢٨. (٤) Guest، A.R.، «A List of Writers، Books and other authorities mentioned by El-Maqri? zi? in his Khitat»، JRAS (١٩٠٢)، pp. ١٠٣ - ٢٥.