مع استيلاء الأيّوبيين على السّلطة في مصر عرفت القاهرة عمارة دينيّة وحربيّة وذات طابع اجتماعي جديدة، تمثّلت في بناء «قلعة الجبل» على الهضبة المتقدّمة من جبل المقطّم بين سنتي ٥٧٢ - ٥٧٩ هـ/ ١١٧٦ - ١١٨٣ م، كمدينة حقيقية محصّنة داخل أسوارها وأبراجها، وهي تمثّل بذلك تجديدا حقيقيّا في أنماط البناء في مصر استمدّه الأيّوبيّون من الشّام موطنهم الأصلي، وقد أثبتت التجارب إمكانية سقوط المدينة وبقاء القلعة كمركز للمقاومة يمكن عن طريقه استرداد المدينة، وتمثّلت هذه العمارة كذلك في العديد من المدارس السّنّيّة.
ونحن لا نعرف أيّ شيء عن القصر الذي شيّده الملك الكامل محمد - أوّل من أقام بصفة نهائية في القلعة من الأيّوبيين - سنة ٦٠٤ هـ/ ١٢٠٧ م، فقد تركه سريعا خلفه الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب الذي نقل مقرّ الحكم إلى قلعة الرّوضة جنوب غرب القاهرة سنة ٦٣٨ هـ/ ١٢٤٠ م.
وبذلك فإنّ قلعة الجبل - رغم أنّها إنشاء أيّوبيّ جديد - لم تقم بدور كبير في العصر الأيّوبي.
ولكن مع استيلاء المماليك على السّلطة في مصر سنة ٦٤٨ هـ/ ١٢٥٠ م كانت قلعة الجبل أهمّ ميراث ورثوه عن الأيّوبيين، وأضحت منذ هذا التّاريخ مقرّ الحكم في مصر وظلّت كذلك عدّة قرون، حتى نقل الخديو إسماعيل باشا مقرّ الحكم نهائيّا إلى قصر عابدين وسط القاهرة الحديثة سنة ١٨٧٤ م.
وكما أنّنا لا نعرف أيّ شيء عن القصر الذي شيّده الكامل محمد في القلعة، فإنّنا لا نملك كذلك أيّة تفاصيل ذات دلالة عن المنشآت الملكية لكلّ من الظّاهر بيبرس والمنصور قلاوون، ولكنّ ابن فضل اللّه العمري، المتوفى سنة ٧٤٩ هـ/ ١٣٤٩ م، ومعاصر السّلطنة الثّالثة للنّاصر محمد بن قلاوون يذكر أنّ حاضرة مصر في وقته كانت تشتمل على ثلاث مدن عظام صارت كلّها مدينة واحدة هي: الفسطاط والقاهرة وقلعة الجبل (١)؛ فإلى سلطنة النّاصر محمد بن قلاوون ترجع أهمّ منشآت القلعة: الجامع والإيوان والقصر الأبلق والقصور الجوّانيّة والسّبع قاعات والطّبلخاناه تحت القلعة والميدان وقناطر مجرى العيون الأولى. وترك لنا ابن فضل اللّه العمري