قال المسبّحيّ: وفي يوم الثلاثاء لخمس بقين منه - يعني المحرّم سنة خمس عشرة وأربع مائة - كان ثالث الفصح (a)، فاجتمع بقنطرة المقس عند كنيسة المقس من النّصارى والمسلمين، في الخيام المنصوبة وغيرها، خلق كثير للأكل والشّرب واللّهو، ولم يزالوا هناك إلى أن انقضى ذلك اليوم.
وركب أمير المؤمنين - يعني الظّاهر لإعزاز دين اللّه أبا الحسن عليّ بن الحاكم بأمر اللّه - في موكبه (b) إلى المقس، وعليه عمامة شرب مفوّطة بسواد وثوب دبيقي من شكل العمامة، ودار هنالك (c) طويلا، وعاد إلى قصره سالما (١). وشوهد من سكر النّساء وتهتّكهن، وحملهن في قفاف الحمّالين سكارى، واجتماعهن مع الرّجال أمر يقبح ذكره (٢).
ذكر الخليج النّاصري
هذا الخليج يخرج من بحر النّيل، ويصبّ في الخليج الكبير. وكان سبب حفره أنّ الملك النّاصر محمد بن قلاوون لمّا أنشأ القصور والخانقاه بناحية سرياقوس، وجعل هناك ميدانا يسرح إليه، وأبطل ميدان القبق المعروف بالميدان الأسود ظاهر باب النّصر من القاهرة، وترك المسطبة التي بناها بالقرب من بركة الحبش لمطعم الطّيور والجوارح، اختار أن يحفر خليجا من بحر النّيل لتمرّ فيه المراكب إلى ناحية سرياقوس، لحمل ما يحتاج إليه من الغلال وغيرها (٣).
فتقدّم إلى الأمير سيف الدّين أرغون، نائب السّلطنة بديار مصر، بالكشف عن عمل ذلك.
(a) بولاق: الفتح، والنسخ: الفسح، والتصويب من المسبحي وفيه بعد ذلك: ويسميه النصارى «يوم عيد القليلة». (b) بولاق: مركبه. (c) بولاق: هناك. (١) المسبحي: أخبار مصر ١٩ - ٢٠؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٣٧: ٢. (٢) نفسه ٢١. (٣) الخليج النّاصري. كان يخرج من النّيل عند النقطة التي يتقابل فيها شارع كورنيش النيل بشارع السّلاملك بجاردن سيتي، ثم يسير إلى الشرق بدوران نحو الشمال إلى أن يتقابل بشارع القصر العيني، ثم يسير مجاورا له، وعند وصوله إلى شارع الشيخ ريحان ينعطف نحو الشرق ويسير مقاطعا شارع التحرير، ثم يسير شمالا إلى شارع طلعت حرب فميدان عرابي، ثم يتجه إلى ميدان رمسيس في موقع محطة مصر، ثم ينعطف إلى موقع المستشفى القبطي بشارع رمسيس، ومن هناك ينعطف إلى الشرق حتى ينتهي إلى شارع بورسعيد (الخليج المصري) حيث كان يصبّ في الخليج المذكور. وبسبب الإصلاحات وأعمال التنظيم التي تمّت في عهد محمد علي باشا ردم الجزء الأكبر من هذا الخليج في المسافة من فمه إلى موقع المستشفى القبطي، ثم ردم الباقي منه إلى نهايته بشارع بورسعيد في عهد الخديو إسماعيل. (المقريزي: السلوك ٢٦١: ٢ - ٢٦٢؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة -