للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبرني شيخنا قاضي القضاة مجد الدّين إسماعيل بن إبراهيم الحنفي، وخال أمي (a) تاج الدّين إسماعيل بن أحمد بن الخطبا، أنّهما أدركا بكوم الرّيش عدّة أمراء يسكنون فيها دائما، وأنّه كان من جملة من يسكن فيها دائما نحو الثمان مائة من الجند السّلطاني (١).

وأنا أدركت بها سوقا عامرا بالمعايش بأنواعها من المآكل، لا أعرف اليوم بالقاهرة مثله في كثرة المآكل. وأدركت بها حمّاما وجامعين تقام بهما الجمعة، وموقف مكاريّة، ومنارة لا يقدر الواصف أن يعبّر عن حسنها لما اشتملت عليه من كلّ معنى رائق بهج.

وما برحت على ذلك إلى أن حدثت المحن من سنة ستّ وثمان مائة، فطرقها أنواع الرّزايا حتى صارت بلاقع، وجهلت طرقها، وتغيّرت معاهدها، ونزل بها من الوحشة ما أبكاني، وأنشدت في رؤيتها عندما شاهدتها خرابا يبابا (b):

[الكامل]

قفرا كأنّك لم تكن تلهو بها … في نعمة وأوانس أتراب

﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ اَلْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [الآية ١٠٢ سور هود].

[ذكر بولاق]

قد تقدّم في غير موضع من هذا الكتاب أنّ ساحل النّيل كان بالمقس، وأنّ الماء انحسر بعد سنة سبعين/ وخمس مائة عن جزيرة عرفت بجزيرة الفيل، وتقلّص ماء النّيل عن سور القاهرة


(a) بولاق: أبي.
(b) ساقطة من بولاق. الخليج الكبير (فيما يلي ٤٥٤). وما تزال توجد من آثار الخندق الواقع تجاه كوم الرّيش الدّير المعروف الآن بدير الملاك البحري تجاه الزّاوية الحمراء من الجهة الشرقية في المنطقة التي يخترقها الآن شارع مصر والسودان والمعروفة بالوايلي.
وكان السّلطان الملك الأشرف قايتباي قد جدّد قرية كوم الرّيش في سنة ٨٩٠ هـ/ ١٤٨٥ م وأنشأ بها زاوية دهنت حيطانها من الخارج باللون الأحمر فعرفت ب «الزّاوية الحمراء»، ولهذا عرفت كوم الرّيش من ذلك الوقت باسم «الزّاوية الحمراء» واختفى اسمها القديم. (ابن إياس: بدائع الزهور ٢٨٠: ٣ - ٢٨١).
وعلى ذلك فإنّ كوم الريش هي الموضع المعروف الآن باسم «الزّاوية الحمراء» الواقعة غرب محطة الدّمرداش. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٠٣: ٩ هـ ٤؛ محمد رمزي: «الجغرافية التاريخية لمدينة القاهرة - شبرا وروض الفرج»، ٣٣٤ - ٣٣٥، القاموس الجغرافي للبلاد المصرية ق ٢ ج ١١: ١).
(١) انظر فيما تقدم ١٦٠، ٢٧١، ٣٢٦، ٤٢٣.