من الملوك، إلى أن بنيت فيه التّرب شيئا بعد شيء حتى انسدّت طريقه، واتّصلت المباني من ميدان القبق إلى تربة الرّوضة خارج باب البرقيّة. وبطل السّباق منه ورمي القبق فيه من آخر أيّام الملك النّاصر محمد بن قلاوون، كما ذكر عند ذكر المقابر من هذا الكتاب (١).
وأنا أدركت عواميد من رخام قائمة بهذا الفضاء تعرف بين النّاس بعواميد السّباق، بين كلّ عمودين مسافة بعيدة، وما برحت قائمة هنالك إلى ما بعد سنة ثمانين وسبع مائة، فهدمت عندما عمّر الأمير يونس الدّوادار الظّاهري تربته تجاه قبّة النّصر، ثم عمّر أيضا الأمير قجماس - ابن عمّ الملك الظّاهر برقوق - تربة هناك، وتتابع النّاس في البنيان إلى أن صار كما هو الآن. واللّه أعلم.
ذكر برّ الخليج الغربي
قد تقدّم أنّ هذا الخليج حفر قبل الإسلام بدهر، وأنّ عمرو بن العاص ﵁ جدّد حفره في عام الرّمادة بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب ﵁ حتى صبّ ماء النّيل في بحر القلزم، وجرت فيه السّفن بالغلال وغيرها حتى عبرت منه إلى البحر الملح، وأنّه ما برح على ذلك إلى سنة خمسين ومائة فطمّ، ولم يبق منه إلاّ ما هو موجود الآن. إلاّ أنّ فم هذا الخليج، الذي يصبّ فيه الماء من بحر النّيل، لم يكن عند حفره هذا الفم الموجود الآن. ولست أدري أين كان فمه عند ابتداء حفره في الجاهليّة، فإنّ مصر فتحت وماء النّيل عند الموضع الذي فيه الآن جامع عمرو بن العاص بمصر، وجميع ما بين الجامع وساحل النّيل الآن انحسر عنه الماء بعد الفتح.
وآخر ما كان ساحل مصر من عند سوق المعاريج الذي هو الآن بمصر إلى تجاه الكبش من غربيه. وجميع ما هو الآن موجود من الأرض، التي فيما بين خطّ السّبع سقايات إلى سوق
(١) فيما يلي ٤٦٣: ٢ - ٤٦٤. وقد انتقل مكان لعب القبق في العهد العثماني شمالا عند جامع الملك العادل، وأضاف ابن أبي السرور البكري: «ولم يزل يعمل القبق في ثاني يوم كلّ عيد في زمن الدّولة العثمانية، فيركب وزير مصر إليه في ثاني يوم العيد وتركب معه جميع الأمراء ويجلس على المسطبة التي بجانب جامع الملك العادل، وتلعب الرّماة قدامه ويظهرون جميع أنواع الفروسيّة ويضربون الطّاسة التي فوق الصّواري. وكلّ من أصابه أخلع عليه قفطانا، ويستمرّ إلى وقت الضّحى ثم يعود من قصبة مصر بموكب عظيم وقدّامه الذين أصابوا القبق بخلعهم، إلى أن أبطله الوزير محمد باشا في سنة عشر وألف». (قطف الأزهار ١٩٥ و).