وكان من وراء القصر الكبير، فيما يلي ظهر دار الوزارة الكبرى والحجر، «المناخ»، وهو موضع برسم طواحين القمح التي تطحن جرايات القصور، وبرسم مخازن الأخشاب والحديد ونحو ذلك.
قال ابن الطّوير: وأمّا المناخات ففيها من الحواصل ما لا يحصره إلاّ القلم من الأخشاب والحديد والطّواحين النجدية والغشيمة، وآلات الأساطيل من الأسلحة المعمولة بيد الفرنج القاطنين فيه، والقنّب والكتّان والمنجنيقات المعدّة، والطّواحين الدائرة برسم الجرايات المقدم ذكرها، والزّفت في المخازن الذي علته الأتربة ولا ينقطع إلاّ بالمعاول. وقد أدركت هذه الدولة - يعني دولة بني أيّوب - منه شيئا كثيرا في هذا المكان انتفع به.
وإليه يأوي الفرنج في بيوت برسمهم، وكانت عدّتهم كثيرة، ففيه من النّجّارين والجزّارين والدّهّانين والفرّانين (a) والخيّاطين والفعلة، ومن العجّانين والطّحّانين في تلك الطّواحين، والفرّانين في أفران الجرايات.
وفي هذا المكان مادّة أكثر أهل الدّولة، وحاميه أمير من الأمراء، ومشارفه من العدول. وفيه أيضا شاهد النّفقات، وعامل يتولّى التنفيذ مع المشارف، وعامل برسم نظم الحساب من تعلّقاتهما بجار غير جواريهم، لأنّ أوقاتهم مستغرقة في مباشرة الإطلاقات وغيرها (١).
وذكر ابن عبد الظّاهر (b) أنّ المأمون بن البطائحي استجدّ طواحين برسم الرّواتب (٢).
(a) بولاق: الخبازين. (b) في جميع النسخ: وذكر ابن الطوير، والصواب ما أثبته. (١) ابن الطوير: نزهة المقلتين ١٤١ - ١٤٢؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٢٤٩؛ وقارن القلقشندي: صبح ٤٧٥: ٣. (٢) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١١٧؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٢٤٩.