خطّة كبيرة كأنّه بلد جليل، وصار به سوق عظيم، وسكنه الكتّاب وغيرهم من النّاس، وأدركته عامرا. ثم إنّه خرب منذ سنة ستّ وثمان مائة، وبه الآن بقيّة عمّا قليل تدثر كما دثر ما هنالك وصار كيمانا.
ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام
اعلم أنّ المقس قديم (١)، وكان في الجاهليّة قرية تعرف بأمّ دنين، وهى الآن محلّة بظاهر القاهرة في برّ الخليج الغربي. وكان عند وضع القاهرة هو ساحل النّيل، وبه أنشأ الإمام المعزّ لدين اللّه أبو تميم معدّ الصّناعة التي ذكرت عند ذكر الصّناعات من هذا الكتاب، وبه أيضا أنشأ الإمام الحاكم بأمر اللّه أبو عليّ منصور جامع المقس الذي تسمّيه عامّة أهل مصر في زمننا بجامع المقسي (٢)، وهو الآن يطلّ على الخليج النّاصري (٣).
قال أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» وقد ذكر مسير عمرو بن العاص ﵁ إلى فتح مصر: فتقدّم عمرو بن العاص ﵁ لا يدافع إلاّ بالأمر الخفيف حتى أتى بلبيس، فقاتلوه بها نحوا من شهر حتى فتح اللّه ﷾ عليه. ثم مضى لا يدافع إلاّ بالأمر الخفيف حتى أتى أمّ دنين، فقاتلوه بها قتالا شديدا، وأبطأ عليه الفتح فكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب - رضي اللّه تعالى عنه - يستمدّه، فأمدّه بأربعة آلاف تمام ثمانية آلاف، فقاتلهم … ، وذكر تمام الخبر (٤).
(١) كان المقس في عهد الدولة الفاطمية مقصورا على قرية المقس التي كانت تقع في المنطقة التي يقع فيها اليوم جامع الفتح (جامع أولاد عنان سابقا)، وتمتد إلى شارع قنطرة الدّكّة، ويدخل فيها مدخل شارع الجمهورية والمباني التي على جانبيه إلى الدّرب الإبراهيمي. وفي عهد دولة المماليك أصبح «المقس» يطلق على المنطقة الكبيرة التي تحدّ الآن من الغرب بميدان باب الحديد فشارع رمسيس فشارع محمد فريد، ومن الجنوب شارع قنطرة الدّكّة وشارع الفوطيّة وشارع سوق الزّلط وشارع الخرّاطين، ومن الشرق شارع الكنيسة المرقسية وسكّة شقّ الثعبان وحارة الحدرة، ومن الشمال شارع بين الحارات إلى أن ينتهي الحدّ بميدان باب الحديد. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٥٣: ٤ - ٥٤ هـ ٧ تعليق محمد رمزي؛ محمد رمزي: «الجغرافية التاريخية لمدينة القاهرة - شبرا وروض الفرج»، ٣٢٩). (٢) فيما يلي ٢٨٣: ٢. (٣) فيما يلي ٤٨١. (٤) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٥٩؛ وفيما تقدم ١٣: ٢.