للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن الممرّ من الفسطاط إلى عين شمس وإلى الحوف الشرقي وإلى البلاد الشّامية، إلاّ بحافة الخليج، ولا يكاد يمرّ بالرّملة التي في موضعها الآن مدينة القاهرة كبير أحد (a)، ولذلك كان بها دير للنّصارى، إلاّ أنّه لمّا عمّر الإخشيد البستان المعروف بالكافوري، أنشأ بجانبه ميدانا وكان كثيرا ما يقيم به، وكان كافور أيضا يقيم به.

وكان فيما بين موضع القاهرة ومدينة الفسطاط، ممّا يلي الخليج المذكور، أرض تعرف في القديم منذ فتح مصر بالحمراء القصوى، وهي موضع قناطر السّباع وجبل يشكر، حيث الجامع الطّولوني وما دار به. وفي هذه الحمراء عدّة كنائس وديارات للنّصارى خربت شيئا بعد شيء، إلى أن خرب آخرها في أيّام الملك النّاصر محمد بن قلاوون.

وجميع ما بين القاهرة ومصر، ممّا هو موجود الآن من العمائر في زمننا (b)، فإنّه حادث بعد بناء القاهرة، ولم يكن هناك قبل بنائها شيء ألبتّة سوى كنائس الحمراء. وسيأتي بيان ذلك مفصّلا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى.

ذكر حدّ القاهرة

قال ابن عبد الظّاهر في كتاب «الرّوضة البهيّة الزّاهرة في خطط المعزّيّة القاهرة»: الذي استقرّ عليه الحال أنّ حدّ القاهرة من مصر من السّبع سقايات، وكان قبل ذلك من المجنونة إلى مشهد السّيّدة رقيّة عرضا. انتهى (١).

والآن تطلق القاهرة على ما حازه السّور الحجر الذي طوله من باب زويلة الكبير إلى باب الفتوح وباب النّصر، وعرضه من باب سعادة وباب الخوخة إلى باب البرقيّة والباب المحروق. ثم لمّا توسّع النّاس في العمارة بظاهر القاهرة، وبنوا خارج باب زويلة حتى اتّصلت العمائر بمدينة فسطاط مصر، وبنوا خارج باب الفتوح وباب النّصر إلى أن انتهت العمائر إلى الرّيدانية، وبنوا خارج باب القنطرة إلى حيث الموضع الذي يقال له بولاق من شاطئ بحر النّيل (c)، وامتدّوا بالعمارة من بولاق على الشّاطئ إلى أن اتّصلت بمنشأة المهراني، وبنوا خارج باب البرقيّة والباب


(a) بولاق: كثير جدا.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: حيث شاطئ النيل.
(١) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٦.