ولم يكن الدّرب الذي يسلك في وقتنا من القاهرة إلى العريش في الرّمل يعرف في القديم، وإنّما عرف بعد خراب تنّيس والفرما، وإزاحة الفرنج عن بلاد السّاحل بعد تملّكهم له مدّة من السنين.
وكان من يسافر في البرّ من الفسطاط إلى الحجاز ينزل بجبّ عميرة، المعروف اليوم ببركة الجبّ وبركة الحاج (١).
ولم يكن عند نزول جوهر بهذه الرّملة فيها بنيان سوى أماكن هي بستان الإخشيد محمد بن طغج - المعروف اليوم بالكافوري - من القاهرة، ودير للنّصارى يعرف بدير العظام، تزعم النّصارى أنّ فيه بعض من أدرك المسيح ﵇ وبقي الآن بئر هذا الدّير، ويعرف ببئر العظام - والعامّة تقول بئر العظمة - وهي بجوار الجامع الأقمر من القاهرة، ومنها ينقل الماء إليه.
وكان بهذه الرّملة أيضا مكان ثالث يعرف بقصير الشّوك - بصيغة التصغير - تنزله بنو عذرة في الجاهلية، وصار موضعه عند بناء القاهرة يعرف بقصر الشّوك من جملة القصور الزّاهرة. هذا الذي اطّلعت عليه أنّه كان في موضع القاهرة قبل بنائها بعد الفحص والتفتيش.
وكان النّيل حينئذ بشاطئ المقس يمرّ من موضع السّاحل القديم بمصر - الذي هو الآن/ سوق المعاريج، وحمّام ظنّ (a)، والمراغة، وبستان الجرف، وموردة الحلفاء، ومنشأة المهراني - على ساحل الحمراء، وهي موضع قناطر السّباع، فيمرّ النّيل بساحل الحمراء إلى المقس، موضع جامع المقس الآن، وفيما بين الخليج وبين ساحل النّيل بساتين الفسطاط (٢).
فإذا صار النّيل إلى المقس، حيث الجامع الآن، مرّ من هناك على طرف الأرض التي تعرف اليوم بأرض الطّبّالة، من الموضع المعروف اليوم بالجرف، وصار إلى البعل، ومرّ على طرف منية الأصبغ من غربيّ الخليج إلى المنية.
وكان فيما بين الخليج والجبل، ممّا يلي بحري موضع القاهرة، مسجد بني على رأس إبراهيم ابن عبد اللّه بن حسن بن الحسن (b) بن عليّ بن أبي طالب، ثم جدّده (c) تبر الإخشيدي، فعرف بمسجد تبر، والعامّة تقول مسجد التّبن (٣).
(a) بولاق: حمام طن. (b) بولاق: الحسين. (c) بولاق: ثم مسجد. (١) فيما يلي ١٦٣: ٢. (٢) فيما تقدم ٣٩، ١٥٨. (٣) فيما يلي ٤١٣: ٢.