للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هجوم أساطيل الإسلام بلاد العدوّ، فإنّها كانت تسير من مصر ومن الشّام ومن إفريقيّة. فلذلك احتاج خلفاء الإسلام إلى الفداء.

وكان (١) أوّل فداء وقع بمال في الإسلام أيّام بني العبّاس، ولم يقع في أيّام بني أميّة فداء مشهور، وإنّما كان يفادى بالنّفر بعد النّفر في سواحل الشّام ومصر والإسكندرية وبلاد ملطيّة وبقيّة الثّغور الجزريّة، إلى أن كانت خلافة أمير المؤمنين هارون الرّشيد.

الفداء الأوّل -

باللاّمس من سواحل البحر الرّومي، قريبا من طرسوس، في سنة تسع وثمانين ومائة، وملك الرّوم يومئذ نقفور بن اشبراق [Nicephorus]. وكان ذلك على يد القاسم بن الرّشيد، وهو معسكر بمرج دابق من بلاد قنّسرين في أعمال حلب، ففودي بكلّ أسير كان ببلاد الرّوم من ذكر أو أنثى.

وحضر هذا الفداء من أهل الثّغور وغيرهم من أهل الأمصار، نحو من خمس مائة ألف إنسان، بأحسن ما يكون من العدد والخيل والسّلاح والقوّة، قد أخذوا السّهل والجبل، وضاق بهم الفضاء، وحضرت مراكب الرّوم الحربية، بأحسن ما يكون من الزّيّ، معهم أسارى المسلمين. فكان عدّة من فودي به من المسلمين، في اثني عشر يوما، ثلاثة آلاف وسبع مائة أسير. وأقام ابن الرّشيد باللامش أربعين يوما قبل الأيّام التي وقع فيها الفداء وبعدها.

وقال مروان بن أبي حفصة (٢) في هذا الفداء يخاطب الرّشيد من أبيات:

[الطويل]

وفكّت بك الأسرى الّتي شيّدت بها … محابس ما فيها حميم يزورها

على حين أعيا المسلمين فكاكها … وقالوا سجون المشركين قبورها (٣)

[الفداء الثاني -]

كان في خلافة الرّشيد أيضا باللامس في سنة اثنتين وتسعين ومائة، وملك الرّوم نقفور [Nicephorus]، وكان القائم به ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي أمير الثّغور الشامية،


(١) هذا الفصل نقله المقريزي من «التنبيه والإشراف» للمسعودي وتجده فيه بين الصفحات من ١٨٩ - ١٩٥.
(٢) أبو السّمط ويقال أبو الهيذام مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة الشّاعر الأموي، المتوفى سنة ١٨٢ هـ/ ٧٩٨ م، مدح الخلفاء والأمراء وذاع شعره، وكان بخيلا مقترا على نفسه. (راجع، ابن المعتز: طبقات الشعراء ٤٢ - ٥٣؛ أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني ٧١: ١٠ - ٩٥؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ١٨٩: ٥ - ١٩٣؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٤٢٢: ٨ - ٤٢٣؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٤٤٧: ٢٥ - ٤٥١؛ ونشر ديوان شعره حسين عطوان، القاهرة - دار المعارف ١٩٧٣).
(٣) المسعودي: التنبيه والإشراف ١٨٩ - ١٩٠ (وسمّاه فداء أبي سليم).