للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر ما قيل في ماء النّيل من مدح وذمّ

قال الرّئيس أبو عليّ بن سينا (١) عفا اللّه عنه: وقوم يفرطون في مدح النّيل إفراطا شديدا، ويجمعون محامده في أربعة: بعد منبعه، وطيب مسلكه، وغمورته، وأخذه إلى الشّمال عن الجنوب؛ فأخذه إلى الشّمال عن الجنوب ملطّف لما يجري فيه من المياه، وأمّا غمورته فيشاركه فيها غيره (٢).

قال: فأفضل المياه مياه العيون، ولا كلّ العيون، ولكن مياه العيون الحرّة الأرض، التي لا يغلب على تربتها شيء من الأحوال والكيفيّات الغريبة، أو تكون حجريّة/ فتكون أولى بألاّ تعفن العفونة الأرضية، لكن التي هي من طينة حرّة خير من الحجريّة ولا كلّ عين حرّة، بل التي هي مع ذلك جارية، ولا كلّ جارية، بل الجارية المكشوفة للشّمس والرّياح، وأنّ هذا ممّا يكسب الجارية فضيلة، وأمّا الرّاكدة فربّما اكتسبت بالكشف رداءة لا تكسبها بالغور والسّتر.

واعلم أنّ المياه التي تكون طينيّة المسيل خير من التي تجري على الأحجار، فإنّ الطّين ينقّي الماء ويأخذ منه الممزوجات الغريبة ويروّقه، والحجارة لا تفعل ذلك، لكنّه يجب أن يكون طين مسيله حرّا، لا حمأة ولا سبخة، ولا غير ذلك. فإن اتّفق أن كان هذا الماء غمرا شديد الجرية، تحيّل بكثرة ما يخالطه إلى طبيعته، فإن كان يأخذ إلى الشّمس في جريانه فيجري إلى المشرق وخصوصا إلى الصّيفي منه، فهو أفضل، لا سيّما إذا بعد جدّا من مبدئه (a). ثم ماء يتوجّه إلى الشّمال، والمتوجّه إلى المغرب والجنوب رديء، خصوصا عند هبوب ريح الجنوب. والذي


(a) بولاق: ميدانه.
(١) الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد اللّه بن الحسن ابن عليّ بن سينا، من أكبر علماء العرب والإسلام. كان طبيبا وفيلسوفا ومنطقيّا، عرفه الأوربيون باسم. Avicenne وكانت مؤلفاته - وعلى الأخص «القانون في الطب» - من أوائل الكتب التي طبعت في أوربا، وتوفي سنة ٤٢٨ هـ/ ١٠٣٧ م. (ابن أبي أصبيعة: عيون الأنباء ٢: ٢ - ٢٠؛ ابن خلكان: وفيات ١٥٧: ٢ - ١٦٢؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٥٣١: ١٧ - ٥٣٧؛ الصفدي: الوافي ٣٩١: ١٢ - ٤١٢؛ وبمناسبة الاحتفال بألفية ابن سينا ظهرت العديد من الدراسات عن حياته ومؤلفاته، انظر على الأخص جورج شحاتة قنواتي: مؤلفات ابن سينا، القاهرة ١٩٥٠ ومقال جواشون. Goichon، A.، M.، El ٢? art.Ibn Sina?
(III، pp. ٩٦٥ - ٧٢
(٢) ابن سينا: القانون في الطب، تحقيق إدوارد القش، بيروت، مؤسسة عز الدين ١٣٤: ١.