للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثيابه، وربطوه في السّاقية مع القواديس، وأكثروا من ضرب الأبقار حتى أسرعت بدوران السّاقيّة؛ فصار المسكين ينقلب مع القواديس، ويغطس في الماء تارة ويرقى أخرى، ثم ينتكس والماء يمرّ عليه مقدار ساعة، إلى أن انقطع حسّه وأشرف على الهلاك؛ واشتدّ رعب الأمراء لما رأوه من قوّة غضب السّلطان.

ثم تقدّم الأمير طغاي الدّوادار في طائفة من الأمراء الخاصّكية، واعتذروا عن هذا المسكين بأنّه لم يرد إلاّ يضحك السّلطان من كلامه، ولم يقصد عيب الأجناد ولا انتقاصهم، ونحو هذا من القول إلى أن أمر بحلّه، فإذا ليس فيه حركة فسحب، ورسم السّلطان بأنّه إن كان حيّا لا يبيت بديار مصر؛ فأخرج من وقته منفيّا. وحمد اللّه كلّ من الأمراء على ما وفّقه من السّكوت عن الكلام في حال العرض.

وما زال الأمر بمصر على ما رسمه الملك النّاصر في هذا الرّوك، إلى أن زالت دولة بني قلاوون بالملك الظّاهر برقوق في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبع مائة، فأبقى الأمر على ذلك إلاّ أنّ أشياء منه أخذت تتلاشى قليلا قليلا إلى أن كانت الحوادث والمحن في سنة ستّ وثمان مائة حيث حدث من أنواع التّغييرات وتنوّع الظّلم ما لم يخطر ببال أحد. وسيمرّ بك جمل من ذلك عند ذكر أسباب خراب إقليم مصر إن شاء اللّه تعالى.

وكانت لأراضي مصر تقاوي مخلّدة في نواحيها وهي على قسمين: تقاوي سلطانيّة، وتقاوي بلديّة، فالتّقاوي السّلطانيّة وضعها الملوك في النّواحي؛ وكان الأمير أو الجنديّ عندما يستقرّ على الإقطاع يقبض ما له من التّقاوي السّلطانية، فإذا خرج عنه طولب بها. فلمّا كان الرّوك النّاصري خلّدت تقاوي كلّ ناحية بها، وضبطت في الدّيوان السّلطاني، فبلغت جملتها مائة ألف وستين ألف أردب سوى التّقاوي البلديّة.

ذكر الدّيوان (١)

قال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي: الدّيوان محفوظ بحفظ ما تعلّق بحقوق السّلطنة من الأعمال والأموال، ومن يقوم بها من الجيوش والعمّال.

وفي تسميته ديوانا وجهان: أحدهما أنّ كسرى اطّلع ذات يوم على كتّاب ديوانه فرآهم


(١) عن الدواوين في مصر الإسلامية انظر كذلك فيما يلي ٣٩٧: ١، ٢١٥: ٢؛ Gottschalk، H.L.، El ٢? art.Di? wa? n؛ II، pp. ٣٣٦ - ٤١ واعتمد المقريزي في هذا الفصل بالإضافة إلى الماوردي على الجزء الثامن من «نهاية الأرب» للنويري.