وكاده إخوته على ذلك، وباعوه من قوم مدنيّين، فساروا به إلى مصر وباعوه لقائد فرعون.
فأقام في منزله اثني عشر شهرا، ثم راودته امرأة العزيز عن نفسه فاعتصم، وكذبت عليه إلى أن حبس، ومكث في السّجن عشر سنين، وقيل غير ذلك.
فلم يزل في السّجّن إلى أن رأى السّاقي والخبّاز ذينك المنامين، وفسّر لهما يوسف وخرجا، فأنسي السّاقي يوسف سنتين، إلى أن رأى الملك البقر والسّنابل، فذكره وأتاه فقصّ عليه الرّؤيا وعبّرها، فأخرج من السّجن وله حينئذ ثلاثون سنة، فاستوزره الملك.
ومن ذلك الوقت إلى أن صار يعقوب إلى مصر تسع سنين، منها سبع سنين من سني الشّبع، وسنتان من سني الجوع.
وكان ليعقوب في السّنة التي صار فيها إلى مصر مائة سنة وثلاثون سنة، وكان أهل بيته حينئذ سبعين نفسا. ومنذ سار إلى مصر إلى أن ولد موسى ﵇ مائة وثلاثون سنة أخرى.
فلمّا مضى له بمصر سبع عشرة سنة توفي وعمره مائة وسبع وأربعون سنة. فخاف الأسباط حينئذ مقابلة يوسف إيّاهم، فقالوا: إنّ أباك أوصى أن تغفر ذنب إخوتك، فإنّك وهم عبيد اللّه إله أبيك، فبكى يوسف وقال لهم: لا تحتاجون إلى ذلك، ووعدهم بخير تمّمه لهم.
ومات يوسف وله مائة سنة وعشر سنين، واللّه أعلم.
ذكر ما قيل في الفيّوم وخلجانها وضياعها
قال اليعقوبيّ: كان يقال في متقدّم الأيّام: مصر والفيّوم، لجلالة الفيّوم وكثرة عمارتها، وبها القمح الموصوف، وبها يعمل الخيش (١). وحكى المسعودي أن معنى الفيّوم: ألف يوم (٢).
قال القضاعيّ: الفيّوم، وهي مدينة دبّرها يوسف النّبي ﵇ بالوحي، وكانت ثلاث مائة وستّين ضيعة، تمير كلّ ضيعة منها مصر يوما واحدا، فكانت تمير مصر السّنة.
وكانت تروى من اثني عشر ذراعا، ولا يستبحر ما زاد على ذلك، فإنّ يوسف ﵇ اتّخذ لهم مجرى، ورتّبه ليدوم لهم دخول الماء فيه، وقوّمه بالحجارة المنضّدة، وبنى به اللاّهون.
(١) اليعقوبي: كتاب البلدان ٣٣١.
(٢) المسعودي: مروج الذهب ٧٢: ٢؛ وأضاف المسعودي أنه أتى على خبر الفيوم وخلجانها في «الكتاب الأوسط» فأغنى ذلك عن إعادته في مروج الذهب.