وفتحت طاق (a) المنظرة، فلمّا شاهد العساكر الخليفة قبّلوا الأرض، فأشار إليهم بالتوجّه، فساروا بأجمعهم. وركب الخليفة وتوجّه إلى الجامع بالمقس وجلس بالمنظرة، واستدعى مقدّم الأسطول وخلع عليه، وانحدرت الأساطيل مشحونة بالرجال والعدّة (١).
منظرة الصّناعة
وكان من جملة مناظر الخلفاء منظرة بالصّناعة في السّاحل القديم من مصر، يجلس بها الخليفة تارة حتى تقدّم له العشاريّات، فيركبها ويسير للمقياس حتى يخلّق بين يديه عند الوفاء.
وكان بهذه الصّناعة ديوان العمائر (٢).
وأنشأ هذه المنظرة - والصّناعة التي هي فيها - الوزير المأمون، ولم تزل إلى آخر الدولة، ودهليزها مادّ بمساطب مفروشة بالحصر العبداني بسطا وتأزيرا. وقد خربت هذه الصّناعة والمنظرة، وصار موضعها الآن بستانا كان يعرف ببستان ابن كيسان، ويعرف في زمننا هذا الذي نحن فيه الآن ببستان الطّواشي، وهو بأوّل مراغة مصر تجاه غيط الجرف، على يسرة من يسلك من المراغة يريد الكبارة وباب مصر (٣).
قال ابن المأمون: وكانت جميع مراكب الأساطيل ما تنشأ إلاّ بالصّناعة التي بالجزيرة، فأنكر الوزير المأمون ذلك وأمر بأن يكون إنشاء الشّواني (٤) وغيرها من المراكب النّيلية الدّيوانية بالصّناعة بمصر، وأضاف إليها دار الزّبيب، وأنشأ المنظرة بها، واسمه باق إلى الآن عليها. وقصد بذلك أن يكون حلول الخليفة يوم تقدمة الأساطيل ورميها بالمنظرة المذكورة، وأن يكون ما ينشأ من الحرابي (b) (٥) والشّلنديات (٦) في الصّناعة بالجزيرة.
(a) بولاق: طاقات. (b) بولاق: الجراني. (١) ابن المأمون: أخبار مصر ٦٠ - ٦٢؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٣٢٣ - ٣٢٥. (٢) انظر عن هذا الديوان الذي يعرف أيضا بديوان الجهاد، ابن الطوير: نزهة المقلتين ٩٤ - ١٠٠، القلقشندي: صبح ٥١٩: ٣؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٧٤٠ - ٧٤٢، وفيما يلي ٥٧١، ١٩٣: ٢. (٣) عن بستان الطواشي انظر فيما يلي ١٣٣: ٢، ١٩٧. (٤) الشيني. انظر فيما تقدم ٥٦٣ هـ ١. (٥) الحربي والحربية (ج. حرابي وحربيات) نوع من المراكب الحربية التي استخدمها الفاطميون منذ كانوا بإفريقية ونقلوها معهم إلى مصر (النخيلي: السفن الإسلامية ٣٧ - ٤٠). (٦) الشّلندي ج. الشّلنديات. ذكر ابن مماتي (قوانين