قال: وهذه مدائن القوم الدّاخلة القديمة قد غلب عليها الجانّ، ومنها ما سترته عن العيون، فلا ينظر إليها أحد (١).
وقال: إنّ البودسير بن قفطريم بن قبطيم بن بيصر بن حام بن نوح ﵇، في أيّامه بنيت بصحراء الغرب مناير ومتنزّهات، وحوّل إليها جماعة من أهل بيته، فعمّروا تلك النّواحي، وبنوا فيها حتى صارت أرض الغرب عامرة كلّها. وأقامت على ذلك مدّة كثيرة، فخالطهم البربر ونكحوا منهم، ثم تحاسدوا، فكانت بينهم حروب خربت فيها تلك الجهات وبادت، إلاّ بقيّة منازل تسمّى الواحات.
ذكر مدينة سنتريّة
ومدينة سنتريّة من جملة الواحات (٢)، بناها مناقيوش باني مدينة إخميم، كان أحد ملوك القبط القدماء (٣).
قال ابن وصيف شاه: وكان في حزم أبيه وحنكته، فعظم في أعين أهل مصر. وهو أوّل من عمل الميدان، وأمر أصحابه برياضة أنفسهم فيه، وأوّل من عمل المارستان لعلاج المرضى والزّمنى، وأودعه العقاقير، ورتّب فيه الأطبّاء، وأجرى عليهم ما يسعهم، وأقام الأمناء على ذلك. وصنع لنفسه عيدا، فكان الناس يجتمعون إليه فيه، وسمّاه «عيد الملك» في يوم من السنة، فيأكلون ويشربون سبعة أيام، وهو مشرف عليهم من مجلس على عمد قد طوّقت بالذّهب، وألبست فاخر الثّياب المنسوجة بالذّهب، وعليه قبّة مصفّحة من داخل بالرّخام والزّجاج والذّهب.
وفي أيّامه بنيت سنتريّة في صحراء الواحات، عملها من حجر أبيض مربّعة، وفي كلّ حائط باب في وسطه شارع إلى حائط محاذ له، وجعل في كلّ شارع يمنة ويسرة أبوابا تنتهي طرقاتها إلى داخل المدينة، وفي وسط المدينة ملعب يدور به من كلّ ناحية سبع درج، وعليه قبّة من
(١) النويري: نهاية الأرب ٩٠: ١٥ - ٩١ ونصّ النويري نقلا أيضا عن ابن وصيف شاه ولكنه أكثر تفصيلا. (٢) هي الواحة المعروفة اليوم بواحة سيوة عرفت بذلك منذ القرن العاشر الهجري، وهي تتبع اليوم محافظة مرسى مطروح (ياقوت: معجم البلدان ٢٦١: ٣؛ ابن دقماق: الانتصار ١٤: ٥؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ٢٥٨: ٤/ ٢). (٣) عند ابن وصيف شاه - كما نقل عنه النويري - أن الذي بناها ابن لمناقيوس بن أشمون لم يسمه إبراهيم بن القاسم الكاتب مختصر كتاب ابن وصيف شاه الذي نقل عنه النويري.