وكانت دواوين الدّولة الفاطمية (١)، لمّا قدم المعزّ لدين اللّه إلى مصر ونزل بقصره في القاهرة، محلّها بدار الإمارة من جوار الجامع الطّولوني. فلمّا مات المعزّ، وقلّد العزيز باللّه الوزارة ليعقوب ابن كلّس، نقل الدّواوين إلى داره؛ فلمّا مات يعقوب نقلها العزيز بعد موته إلى القصر، فلم تزل به إلى أن استبدّ الأفضل ابن أمير الجيوش، وعمّر دار الملك بمصر، فنقل إليها الدّواوين، فلمّا قتل عادت من بعده إلى القصر، وما زالت هناك حتى زالت الدّولة.
قال في كتاب «الذّخائر والتّحف»: وحدّثني من أثق به قال: كنت بالقاهرة يوما من شهور سنة تسع وخمسين وأربع مائة، وقد استفحل أمر المارقين، وقويت شوكتهم، وامتدّت أيديهم إلى أخذ الذّخائر المصونة في قصر السّلطان بغير إذنه (b)؛ فرأيت وقد دخل من باب الدّيلم، أحد أبواب القصور المعمورة الزّاهرة، المعروف بتاج الملوك شاذي، وفخر العرب عليّ بن ناصر الدّولة ابن حمدان، ورضيّ الدّولة بن رضيّ الدّولة، وأمير الأمراء بجتكين بن سبكتكين، وأمير العرب ابن كيغلغ، والأعزّ بن سنان، وعدّة من الأمراء أصحابهم البغداديين وغيرهم، وصاروا في الإيوان الصّغير؛ فوقفوا عند ديوان الشّام لكثرة عددهم وجماعتهم، وكان معهم أحد الفرّاشين المستخدمين برسم القصور المعمورة، فدخلوا إلى حيث كان الدّيوان النّظرى في الدّيوان المذكور، وصحبتهم فعلة، وانتهوا إلى حائط مجيّر، فأمروا الفعلة بكشف الجير عنه، فظهرت حنية باب مسدود فأمروا بهدمه، فتوصّلوا منه إلى خزانة ذكر أنّها عزيزيّة من أيّام العزيز باللّه؛ فوجد (c) فيها من السّلاح ما يروق النّاظر، ومن الرّماح العزيزيّة المطلية أسنّتها بالذّهب، ذات مهارك فضّة مجرّاة بسواد ممسوح وفضّة بياض ثقيلة الوزن عدّة رزم، أعوادها من الزّان الجيّد، ومن السّيوف المجوهرة النّصول، ومن النّشّاب الخلنج وغيره، ومن الدّرق اللّمط والحجف التبتي وغير ذلك، ومن الدّروع المكلّل سلاح بعضها، والمحلّى بعضها بالفضّة المركّبة عليه، ومن التّخافيف
(a) بولاق: الدواوين. (b) بولاق: أمره. (c) بولاق: فوجدوا. (١) انظر كذلك فيما تقدم ٢٤٤: ١ - ٢٤٥.