ولم يزل إلى ليلة السّبت الرابع من رمضان سنة تسع عشرة وخمس مائة، فقبض الآمر المذكور عليه وعلى إخوته الخمسة مع ثلاثين رجلا من خواصّه وأهله واعتقله، ثم صلبه مع إخوته في سنة اثنتين وعشرين. وقيل: إنّ سبب القبض عليه ما بلغ الآمر عنه أنّه بعث إلى الأمير جعفر بن المستعلي يغريه بقتل أخيه ليقيمه مكانه في الخلافة، وكان الذي بلّغ الآمر ذلك الشّيخ أبو الحسن بن أبي أسامة. وبلغه أيضا عنه أنّه سيّر نجيب الدّولة أبا الحسن إلى اليمن ليضرب سكّة عليها «الإمام المختار محمد بن نزار». وذكر عنه أنّه سمّ شيئا ودفعه لفصّاد الخليفة فنمّ عليه الفصّاد.
وكان مولد المأمون في سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، وكان من ذوي الآراء والمعرفة التامّة بتدبير الدّول، كريما واسع الصّدر، سفّاكا للدّماء، كثير التحرّز والتطلّع إلى معرفة أحوال النّاس من العامّة والجند، فكثر الوشاة في أيّامه.
[حبس المعونة]
وكان بجوار الدّار المأمونية حبس المعونة، وموضعه اليوم قيساريّة العنبر (١).
قال ابن المأمون: في سنة سبع عشرة وخمس مائة، تقدّم أمر المأمون إلى الواليين بمصر والقاهرة (a) بإحضار عرفاء السّقّائين وأخذ الحجج على المتعيّشين (b) منهم بالقاهرة بحضورهم متى دعت الحاجة إليهم ليلا ونهارا، وكذلك يعتمد في القربيّين - (c) الذين يحملون الماء في القرب (c) - وأن يبيتوا على باب كل معونة ومعهم عشرة (d) من الفعلة بالطّواري والمساحي، (c) وألزم الواليين (c) أن يقوما لهم بالعشاء من أموالهما بحكم فقرهم (٢). انتهى.
وكان حبس المعونة هذا يسجن فيه أرباب الجرائم كما هو اليوم السّجن المعروف بخزانة شمائل (٣)، وأمّا الأمراء والأعيان فيسجنون بخزانة البنود كما تقدّم (٤). ولم يزل هذا الموضع سجنا مدّة الدولة الفاطمية ومدّة دولة بني أيّوب، إلى أن عمّره الملك المنصور قلاوون
(a) المسودة: لكل من واليي القاهرة ومصر. (b) المسودة: وإلزام المتعيشين. (c) (c-c) زيادة من المسودة. (d) المسودة: عدة. (١) فيما يلي ٨٩: ٢. (٢) ابن المأمون: أخبار مصر ٦٩ - ٧٠؛ المقريزي: المسودة ٤٢٧، وقارن اتعاظ الحنفا ١٠٠: ٣. (٣) هدم هذا السجن في سنة ٨١٨ هـ عند ما بدأ السلطان المؤيد شيخ في بناء المدرسة المؤيدية على يسار الداخل من باب زويلة، مما يدل على أن المقريزي كتب هذا القسم من الخطط قبل هذا التاريخ، وانظر فيما يلي ٣٢٨: ٢. (٤) فيما تقدم ٣٩٧ - ٣٩٨.