للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأخلص من عهدته وأبرأ من جريرته … وأمّا الرّواية عمّن أدركت من الجلّة والمشائخ فإنّي في الغالب والأكثر أصرّح باسم من حدّثني إلاّ أن يحتاج إلى تعيينه أو أكون قد أنسيته وقلّ ما يتّفق مثل ذلك. وأمّا ما شاهدته فإنّي أرجو أن أكون وللّه الحمد غير متّهم ولا ظنين» (١).

[مشكلة تحرير كتاب «المواعظ والاعتبار»]

اتّفق جميع الباحثين الذين درسوا كتاب «خطط» المقريزي بما لا يدع مجالا للخلاف على القيمة الكبيرة للكتاب بالنسبة للمادّة التي يحويها بين دفّتيه، فقد استطاع المقريزي على امتداد صفحات هذا الكتاب أن يرجع إلى جميع المصادر السّابقة عليه والتي فقد أكثر من ثلاثة أرباعها اليوم، والتي ينقل عنها في العادة بدقّة، ولكن في حدود المنهج الذي سار عليه المؤلّفون القدماء.

غير أنّنا إذا فحصنا هذه المسألة عن كثب، كما يقول كراتشكوفسكي، فسنصطدم بصورة جدّية بمشكلة عويصة تتعلّق بأمانة المقريزي في استخدامه لمصادره إذ يقع عليه عبء الاتّهام بالسّرقة الأدبية (٢) الذي وجّهه إليه معاصره المؤرّخ النّاقد شمس الدين السّخاوي (٣)، ومن الباحثين المعاصرين جاستون فييت الذي اتّهم المقريزي بأنّه أعمل يد النّهب في كتاب «ولاة مصر» للكندي (٤)، وكاتب هذه السّطور حيث لاحظت عندما نشرت ممالك مصر والشّام والحجاز واليمن من كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» لابن فضل اللّه العمري أنّ المقريزي نقل كلّ وصف ابن فضل اللّه العمري لقلعة الجبل دون أن يشير إليه في أي موضع من كتابه (٥). ومع ذلك فإنّنا في الحالات التي تمكّنّا فيها من تحقيق رواية المقريزي في أصولها تبيّن لنا أنّ المقريزي أهل للثّقة بصورة تجعلنا نعتمد عليه اعتمادا كاملا حتى في الحالات التي نجهل فيها جهلا تامّا المصادر التي استقى منها مادّته.


(١) المقريزي: المواعظ والاعتبار فيما يلي ٨.
(٢) كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي العربي ٤٨٣ - ٤٨٤.
(٣) انظر فيما يلي ص ٧٢.
(٤) Wiet، G.، «Kindi et Maqrizi»، BIFAOXII. (١٩١٥)، p. ٦٣
(٥) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار - ممالك مصر والشام والحجاز واليمن، القاهرة ١٩٨٥، ٢٨ م، كما أشار جودفري دمومبين إلى نقل المقريزي لكل ما ذكره العمري عن الحبشة في كتابه «الإلمام بذكر ملوك الحبشة في الإسلام» دون إشارة إليه.