ويعتكف إذا شاء ويخلو بنفسه فيها. وكان ماء النّيل في زمنه يصل إلى جدار هذا الجامع [وهو مطلّ على بركة الحبش] (a) (١).
وولي خطابته الفقيه جمال الدّين محمد ابن الماشطة، ومنعه من لبس السّواد لأداء الخطبة فاستمرّ إلى حين وفاته في عاشر رجب سنة تسع وسبع مائة. وأوّل خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة سابع صفر سنة اثنتين وسبعين وستّ مائة. وقد ذكرت ترجمة الصّاحب تاج الدّين عند ذكر رباط الآثار من هذا الكتاب (٢).
فخر الدّين ابن حنّا
محمد بن عليّ بن محمد بن سليم بن حنّا - أبو عبد اللّه الوزير الصّاحب فخر الدّين ابن الوزير الصّاحب بهاء الدّين. ولد في سنة اثنتين وعشرين وستّ مائة، وتزوّج بابنة الوزير الصّاحب شرف الدّين هبة اللّه بن صاعد الفائزي، وناب عن والده في الوزارة، وولي ديوان الأحباس ووزارة الصّحبة في الأيّام الظّاهرية بيبرس (٣).
وسمع الحديث بالقاهرة ودمشق وحدّث، وله شعر جيّد، ودرّس بمدرسة أبيه الصّاحب بهاء الدّين التي كانت في زقاق القناديل بمصر. وكان محبّا لأهل الخير والصّلاح، مؤثرا لهم، متفقّدا لأحوالهم. وعمّر رباطا حسنا بالقرافة الكبرى رتّب فيه جماعة من الفقراء.
ومن غريب ما يتّعظ به الأريب أنّ الوزير الصّاحب زين الدّين يعقوب بن عبد الرّفيع بن الزّبير - الذي كان بنو حنّا يعادونه وعنه أخذوا الوزارة - مات في ثالث عشر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وستّ مائة بالسّجن، فأخرج كما تخرج الأموات الطّرحاء على الطّرقات من الغرباء، ولم يشيّع جنازته أحد من النّاس مراعاة للصّاحب بن حنّا.
وكان فخر الدّين هذا يتنزّه في أيّام الرّبيع بمنية القائد - وقد نصبت له الخيام، وأقيمت المطابخ، وبين يديه المطربون - فدخل عليه البشير بموت الوزير يعقوب بن الزّبير، وأنّه أخرج إلى المقابر من
(a) زيادة من ابن دقماق. (١) ابن دقماق: الانتصار ٧٨: ٤، وسماه «الجامع التاجي بدير الطين». (٢) فيما يلي ٨٠٢ - ٨٠٤. (٣) ضبط المقريزي اسمه في المقفى بالعبارة: سليم، بفتح السين المهملة وكسر اللام، وحنّا بحاء مهملة مكسورة بعدها نون مشدّدة مفتوحة. (المقريزي: المقفى ٣٣٤: ٦). وانظر ترجمة الوزير الصّاحب فخر الدّين محمد بن الوزير الصّاحب بهاء الدّين ابن حنّا، المتوفى سنة ٦٦٨ هـ/ ٩٢١ م، عند الصفدي: الوافي بالوفيات ١٨٥: ٤ - ١٨٦؛ المقريزي: المقفى الكبير ٣٣٤: ٦ - ٣٣٦.