ولم تزل هذه الدّار بغير تكملة إلى أن ترأّس القاضي شمس الدّين محمد بن أحمد القليجي الحنفي، (a)) كان أوّلا يكتب على مبيضة الغزل وهي يومئذ مضمّنة لديوان السّلطان، ثم اتّصل بقاضي القضاة سراج الدّين عمر بن إسحاق الهندي وخدمه، فرفع من شأنه واستنابه في الحكم؛ فعيب ذلك على الهندي، وقال فيه شمس الدّين محمّد بن محمد الصّائغ الحنفي:
[الطويل]
ولمّا رأينا كاتب المكس قاضيا … علمنا بأنّ الدّهر عاد إلى ورا
فقلت لصحبي ليس هذا تعجّبا … وهل يجلب الهنديّ شيئا سوى الخرا (a)
وولي إفتاء دار العدل (b)، وناب عن القضاة في الحكم بعد مباشرة توقيع الحكم عدّة سنين.
فعظم ذكره، وبعد صيته، وصار يتوسّط بين القضاة والأمراء في حوائجهم، ويخدم أهل الدّولة فيما يعنّ لهم من الأمور الشّرعية.
فصار كثير من أمور القضاة لا يقوم به غيره، حتى لقد كان شيخنا الأستاذ قاضي القضاة وليّ الدّين عبد الرّحمن بن خلدون يسمّيه دريد بن الصّمّة؛ يعني أنّه صاحب رأي القضاة، كما أنّ دريد بن الصّمّة كان صاحب رأى هوازن يوم حنين، (c)) ينبزه بذلك (c).
فلمّا فخم أمره أخذ هذه الدّار، وقد تمّ بناء جدرانها، فرخّمها وزخرفها وبيّضها، فجاءت في أعظم قالب وأحسن هندام وأبهج زيّ، وسكنها إلى أن مات يوم الثلاثاء العشرين من شهر رجب سنة سبع وتسعين وسبع مائة بعد ما وقفها، فاستمرّت في يد أولاده مدّة إلى أن أخذها الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار كما أخذ غيرها من الدّور (١).
دار بهادر المعزّي
هذه الدّار بدرب راشد المجاور لخزانة البنود من القاهرة، عمّرها الأمير سيف الدّين بهادر المعزّي (٢). كان أصله من أولاد مدينة حلب من أبناء التّركمان، فاشتراه الملك المنصور لاجين قبل
(a-a) هذه الفقرة وردت في هامش نسخة آياصوفيا وكتب أمامها: «هكذا بخط المؤلف بغير تخريج» وختمها بقوله: «هكذا وجدته بخطه». (b) بولاق: العلم. (c-c) ساقطة من بولاق. (١) المقريزي: مسودة المواعظ ٤٣١ - ٤٣٢. (٢) الأمير سيف الدّين بهادر بن عبد اللّه التركماني -