ويقال إنّهم من البربر اعلم أنّ أوّل بلد البجة، من قرية تعرف بالخربة معدن الزّمرّد في صحراء قوص (١). وبين هذا الموضع وبين قوص نحو من ثلاث مراحل. وذكر الجاحظ أنّه ليس في الدّنيا معدن للزّمرّد غير هذا الموضع.
وهو يوجد في مغاير بعيدة مظلمة، يدخل إليها بالمصابيح وبحبال يستدلّ بها على الرّجوع خوف الضّلال. ويحفر عليه بالمعاول فيوجد في وسط الحجارة وحوله غشيم دونه في الصّبغ والجوهر.
وآخر بلاد البجة أوّل بلاد الحبشة، وهم في بطن هذه الجزيرة - أعني جزيرة مصر - إلى سيف البحر الملح ممّا يلي جزائر سواكن وباضع ودهلك.
وهم بادية يتبعون الكلأ حيثما كان الرّعي بأخبية من جلود، وأنسابهم من جهة النّساء. ولكلّ بطن منهم رئيس، وليس عليهم متملّك ولا لهم دين (٢).
وهم يورّثون ابن البنت وابن الأخت دون ولد الصّلب، ويقولون إنّ ولادة ابن الأخت وابن البنت أصحّ، فإنّه إن كان من زوجها أو من غيره فهو ولدها على كلّ حال.
(١) سيفصّل المقريزي الحديث عن معدن الزمرد فيما يلي ٦٣٢. (٢) البجة أو البجاة وضبطها القلقشندي: البجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الآخر (ويعرفون في الوقت الحاضر باسم البجة) قبائل حاميّة تسكن الصحراء الشرقية جنوبي مصر بين الحبشة والنوبة وأرض الصّعيد، وهم شعب قديم تعرّف عليه العرب الفاتحون منذ بدايات الإسلام في مصر وعقد معهم والي مصر عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح معاهدة عرفت باسم «البقط» (فيما يلي ١٩٩: ١ - ٢٠٠)، وهم ينقسمون إلى قبائل وبطون كثيرة كما أنهم بادية يتبعون الكلأ حيثما كان الرعي. وأهم مصدر يحدثنا عن البجة وحياتهم ونظامهم كتاب «أخبار النوبة» لابن سليم الأسواني الذي نقل عنه المقريزي أغلب معلوماته عن النوبة والبجة في القرون الأربعة الأولى للإسلام (فيما تقدم ٥١٧ هـ? ٢). ورغم أن المقريزي يذكر أنهم أسلموا في إمارة عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح فإن الثقافة الإسلامية لم تنتشر بينهم فيصفهم ابن جبير في النصف الثاني للقرن السادس الهجري بأنهم «أضل من الأنعام سبيلا وأقل عقولا، لا دين لهم سوى كلمة التوحيد التي ينطقون بها إظهارا للإسلام … ورجالهم ونساؤهم يتصرّفون عراة، إلاّ خرقا يسترون بها عوراتهم، وأكثرهم لا يسترون» (الرحلة ٤٨ - ٤٩)، ولم ينتشر الإسلام حقيقة بينهم إلاّ في القرنين الثامن والتاسع للهجرة بسبب الهجرات العربية التي اتجهت على نطاق واسع إلى السودان عبر أراضيهم في أعقاب سقوط بغداد. وينقسم البجة في الوقت الحاضر إلى أربع قبائل كبيرة هي: البشّاريون في الشمال والأمرأر والهدندوه وبني عامر إلى الجنوب من طوكر في الشمال إلى داخل حدود إريتريا في الجنوب. (راجع، القلقشندي: صبح الأعشى ٢٧٣: ٥ - ٢٧٤؛ مصطفى محمد مسعد: «البجة والعرب في العصور الوسطى»، مجلة كلية الآداب - جامعة القاهرة ٢١ (ديسمبر ١٩٥٩)، ١ - ٥٩؛ Holt،. (P.M.، El ٢? art.Bedja I، pp. ١١٩٢ - ٩٣