للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان لهم قديما رئيس يرجع جميع رؤسائهم إلى حكمه، يسكن قرية تعرف بهجر هي أقصى جزيرة البجة.

ويركبون النّجب الصّهب، وتنتج عندهم، وكذلك الجمال العراب كثيرة عندهم أيضا.

والمواشي من البقر والغنم والضّأن غاية في الكثرة عندهم. وبقرهم حسان ملمّعة بقرون عظام، ومنها جمّ، وكباشهم كذلك منمّرة ولها ألبان. وغذاؤهم اللّحم وشرب اللّبن، وأكلهم للخبز (a) قليل وفيهم من يأكله، وأبدانهم صحاح، وبطونهم خماص، وألوانهم مشرقة الصّفرة، ولهم سرعة في الجري يباينون بها النّاس.

وكذلك جمالهم شديدة العدو صبورة عليه وعلى العطش، يسابقون عليها الخيل، ويقاتلون عليها، وتدور بهم كما يشتهون، ويقطعون عليها من البلاد ما يتفاوت ذكره، ويتطاردون عليها في الحرب، فيرمي الواحد منهم الحربة فإن وقعت في الرّمية طار إليها الجمل فأخذها صاحبها، وإن وقعت في الأرض ضرب الجمل بجرانه الأرض فأخذها صاحبها.

ونبغ منهم في بعض الأوقات رجل يعرف بكلاز، شديد مقدام، وله جمل ما سمع بمثله في السّرعة، وكان أعور وصاحبه كذلك، التزم لقومه أنّه يشرف على مصلّى مصر يوم العيد، وقد قرب العيد قربا لا يكون للبلوغ إليها في مثله حقيقة، فوفّى بذلك، وأشرف على المقطّم، وضربت الخيل خلفه فلم يلحق.

وهذا هو الذي أوجب أن يكون في السّفح طليعة يوم العيد. وكان الطّولونيّة وغيرهم من أمراء مصر يوقفون في سفح الجبل المقطّم - ممّا يلي الموضع المعروف بالحبش - جيشا كثيفا مراعيا للناس حتى ينصرفوا من عيدهم في كلّ عيد.

وهم أصحاب ذمّة، فإذا غدر أحدهم رفع المغدور به ثوبا على حربة وقال: هذا غرس (b) فلان - يعني أنا الغادر (c) -، فتصير سيّئة عليه إلى أن يترضّاه.

وهم يبالغون في الضّيافة، فإذا طرق أحدهم الضّيف ذبح له، فإذا تجاوز ثلاثة نفر نحر لهم من أقرب الأنعام إليه سواء كانت له أو لغيره، وإن لم يكن شيء نحر راحلة الضّيف وعوّضه ما هو خير منها.

وسلاحهم الحراب السّباعيّة، مقدار طول الحديدة ثلاثة أذرع، والعود أربعة أذرع، وبذلك سمّيت سباعيّة؛ والحديدة في عرض السّيف لا يخرجونها من أيديهم إلاّ في بعض الأوقات، لأنّ


(a) بولاق: للجبن.
(b) بولاق: عرش.
(c) بولاق: أبا الغادر.