ومن حينئذ أذلّ اللّه القبط في جميع أرض مصر، وخذل شوكتهم فلم/ يقدر أحد منهم على الخروج ولا القيام على السّلطان، وغلب المسلمون على القرى، فعاد القبط من بعد ذلك إلى كيد الإسلام وأهله بإعمال الحيلة واستعمال المكر، وتمكّنوا من النّكاية بوضع أيديهم في كتاب الخراج. وكان للمسلمين فيهم وقائع يأتي خبرها في موضعه من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى.
ذكر نزول العرب بريف مصر واتّخاذهم الزّرع معاشا وما كان في نزولهم من الأحداث
قال الكنديّ، في ولاية الوليد بن رفاعة الفهمي على مصر: نقلت قيس إلى مصر في سنة تسع ومائة، ولم يكن بها أحد منهم قبل ذلك إلاّ ما كان من فهم وعدوان، فوفد ابن الحبحاب على هشام بن عبد الملك، فسأله أن ينقل إلى مصر منهم أبياتا، فأذن له هشام في إلحاق ثلاثة آلاف منهم، وتحويل ديوانهم إلى مصر على ألا ينزلهم بالفسطاط، ففرض (a) لهم ابن الحبحاب، وقدم بهم، فأنزلهم الحوف الشّرقي وفرّقهم فيه.
ويقال إنّ عبيد اللّه بن الحبحاب، لمّا ولاّه هشام بن عبد الملك مصر، قال: ما أرى لقيس فيها حظّا إلاّ لناس من جديلة وهم فهم وعدوان؛ فكتب إلى هشام:«إنّ أمير المؤمنين - أطال اللّه بقاءه - قد شرّف هذا الحيّ من قيس، ونعشهم ورفع من ذكرهم، وإنّي قدمت مصر ولم أر لهم حظّا إلاّ أبياتا من فهم، وفيها كور ليس فيها أحد، وليس يضرّ بأهلها نزولهم معهم، ولا يكسر ذلك خراجا، وهي بلبيس، فإن رأى أمير المؤمنين أن ينزلها هذا الحيّ من قيس فليفعل». فكتب إليه هشام: أنت وذاك. فبعث إلى البادية، فقدم عليه مائة أهل بيت من بني نصر (b)، ومائة أهل بيت من بني سليم، فأنزلهم بلبيس، وأمرهم بالزّرع. ونظر إلى الصّدقة من العشور فصرفها إليهم فاشتروا إبلا، فكانوا يحملون الطّعام إلى القلزم، وكان الرجل يصيب في الشهر العشرة دنانير وأكثر. ثم أمرهم باشتراء الخيول، فجعل الرجل يشتري المهر فلا يمكث إلاّ شهرا حتى يركب، وليس عليهم مئونة في إعلاف (c) إبلهم ولا خيلهم لجودة مرعاهم.