فلمّا تمّ بناؤه جلس فيه، واستدعى جميع مؤذّني القاهرة ومصر، وجميع القرّاء والخطباء وعرضوا بين يديه، وسمع تأذينهم وخطابتهم وقراءتهم. فاختار منهم عشرين مؤذّنا رتّبهم فيه، وقرّر فيه درس فقه وقارئا يقرأ في المصحف، وجعل عليه أوقافا تكفيه وتفيض. وصار من بعده من الملوك يخرجون أيّام الجمع إلى هذا الجامع، ويحضر خاصّة الأمراء معه من القصر، ويجيء باقيهم من باب الجامع. فيصلّي السّلطان عن يمين المحراب في مقصورة خاصّة به، ويجلس عنده أكابر خاصّته، ويصلّي معه الأمراء خاصّتهم وعامّتهم خارج المقصورة، عن يمنتها ويسرتها، على مراتبهم. فإذا انقضت الصّلاة دخل إلى قصوره ودور حرمه، وتفرّق كلّ أحد إلى مكانه.
وهذا الجامع متّسع الأرجاء، مرتفع البناء، مفروش الأرض بالرّخام، مبطّن السّقوف بالذّهب. وبصدره قبّة عالية يليها مقصورة (١)، مستورة هي والرّواقات بشبابيك الحديد المحكمة الصّنعة، ويحفّ صحنه رواقات من جهاته (a) (٢).
الدّار الجديدة
هذه الدّار عند باب سرّ القلعة (٣) المطلّ على سوق الخيل، عمّرها الملك الظّاهر بيبرس
(a) في هامش آياصوفيا: بياض عشرة أسطر. (١) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٨٠ - ٨١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٧٠: ٣ - ٣٧١. وأضاف ابن أبي السّرور البكري: «قلت: وفي زمننا الآن في أيّام العيدين: الفطرة والأضحى، يطلع وزير مصر يوم العيد وأمامه جميع الجاويشية والمتفرّقة وأمراء الجراكسة وأغاوات البلكّات وجميع الصّناجق الذين في ذلك الأوان وهم مشاة أمامه إلى أن يذهب إلى هذا الجامع فيصلّي فيه صلاة العيد، ويأتي هو وجميع من ذكر ويجلس على السّماط هو وهم يأكلون، وبعد ذلك يتفرّقون كلّ أحد إلى منزله». (قطف الأزهار ٢٣٩ و). (٢) هنا على هامش (ص): سقطت هذه القبّة وأعيدت في الأيام الأشرفية قايتباي مع ما جدّد من بناء الميضأة بالجامع المذكور. (٣) باب السّرّ. أحد الأبواب الثلاثة الرئيسة المؤدّية إلى القلعة، هو وباب المدرّج، الباب الأعظم للقلعة (فيما تقدم ٦٥١)، وباب القرافة من جهة القرافة والجبل (طريق صلاح سالم الآن)، وكان يختصّ الدّخول والخروج منه بأكابر الأمراء وخواصّ الدّولة كالوزير وكاتب السّرّ ونحوهما، ويتوصّل إليه من الصّوّه، وهي بقيّة النّشز الذي بنيت عليه القلعة من جهة القاهرة، بتعريج يمشى فيه من جانب جدارها البحري حتى ينتهي إليه بحيث يكون مدخله منه مقابل «الإيوان الكبير» الذي يجلس فيه السّلطان أيّام -