للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأردأ ما يكون ماء النّيل بمصر عند فيضه، وعند وقوف حركته، فعند ذلك ينبغي أن يطبخ ويبالغ في تصفيته بقلوب نوى المشمش، وسائر ما يقطع لزوجته.

وأجود ما يكون في طوبة عند تكامل البرد، ومن أجل هذا عرف (a) المصريون بالتّجربة أنّ ماء طوبة أجود المياه، حتى صار كثير منهم يخزّنه في القوارير الزّجاج والصّيني، ويشربه السّنة كلها، ويزعم أنّه لا يتغيّر، وصاروا أيضا لا يصفّونه في هذا الزمان لظنّهم أنّه على غاية الخلاص. وأمّا أنت فلا تسكن إلى ذلك، وصفّه على أي حالة كان، فالماء المخزون لابد أن يتغيّر (١).

فهذا ما عندي من ذمّ ماء النّيل، وحاصله أنّ الماء تتغيّر كيفيته بما يمرّ عليه لا أنّ ذاته رديّة. فلا يهولنّك ما تسمع، فما الأمر إلاّ ما قلت لك. وإذا كان الضّرر بحسب ما تغيّر من كيفيته لا من كميته، فقد عرفت ما تعالجه به كي يزول ما يخالطه من الكيفيات الرّديّة. واللّه الموفّق بمنّه وكرمه.

ذكر عجائب النّيل

/ (b) قال المسعوديّ: وفي نيل مصر وأرضها عجائب كثيرة من الحيوانات، فمن ذلك السّمك المعروف بالرّعّاد، والواحدة نحو الذّراع، إذا وقعت في شبكة الصّيّاد ارتعدت يده وعضده فيعلم بوقوعها، فيبادر إلى أخذها وإخراجها من شبكته، ولو أمسكها بخشب أو قصب فعلت ذلك؛ وقد ذكرها جالينوس، وأنّها إن جعلت على رأس من به صداع شديد أو شقيقة - وهي في الحياة - هدأ من ساعته (٢).

قال ابن البيطار (٣) عن جالينوس: هو الحيوان البحري الذي يحدث الخدر؛ وزعم (c) قوم أنّه إذا أدني من رأس من يشتكي الصّداع سكن صداعه، وإن أدني من مقعدة من انقلبت مقعدته


(a) بولاق: عرفت.
(b) انظر فيما يلي ٧٦.
(c) ابن البيطار: وقد ذكر.
(١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان ٢١٤ - ٢١٧.
(٢) المسعودي: مروج الذهب ٨٤: ٢؛ وقارن الاصطخري: مسالك الممالك ٥٠؛ ابن حوقل: صورة الأرض ١٤٨، وهو السمك المعروف الآن بالقرموط ج. قراميط.
(٣) ابن البيطار، ضياء الدين أبو محمد عبد اللّه بن أحمد ابن محمد العبدري المالقي النّبّاتي العشّاب المتوفى سنة ٦٤٦ هـ/ ١٢٤٨ م. عالم في النبات من خلال رحلاته