للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحجار والفرن والرّبع علوّه في المكان الخراب، وجعل ذلك جاريا في جملة أوقاف المارستان المنصوري.

خطّ بين القصرين

هذا الخطّ أعمر أخطاط القاهرة وأنزهها. وقد كان في الدّولة الفاطميّة فضاء كبيرا ومراحا واسعا يقف فيه عشرة آلاف من العسكر ما بين فارس وراجل ويكون به طرادهم ووقوفهم للخدمة كما هو الحال اليوم في الرّميلة تحت قلعة الجبل.

فلمّا انقضت أيّام الدّولة الفاطميّة، وخلت القصور من أهاليها، ونزل بها أمراء الدّولة الأيّوبيّة وغيّروا معالمها، صار هذا الموضع سوقا مبتذلا بعد ما كان ملاذا مبجّلا، وقعد فيه الباعة بأصناف المأكولات من اللّحمان المتنوّعة والحلاوات المصنّعة والفاكهة وغيرها. فصار متنزّها تمرّ فيه أعيان النّاس وأماثلهم في اللّيل مشاة لرؤية ما هناك من السّرج والقناديل الخارجة عن الحدّ في الكثرة، ولرؤية ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ممّا فيه لذّة للحواس الخمس.

وكانت تعقد فيه عدّة حلق لقراءة السّير والأخبار وإنشاد الأشعار والتّفنّن في أنواع اللّعب واللّهو، فيصير مجمعا لا يقدّر قدره، ولا يمكن حكاية وصفه (١). وسأتلو عليك من أنباء ذلك ما لا تجده مجموعا في كتاب.

قال المسبّحيّ في حوادث جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلاث مائة: وفيه منع كلّ أحد ممّن يركب مع المكاريين أن يدخل من باب القاهرة راكبا، ولا المكاريين أيضا بحميرهم، ولا يجلس أحد على باب الزّهومة من التّجّار وغيرهم، ولا يمشي أحد ملاصق القصر من باب الزّهومة إلى أقصى باب الزّمرّد. ثم عفي عن المكاريين بعد ذلك، وكتب لهم أمان قرئ (٢).

وقال ابن الطّوير: ويبيت خارج باب القصر كلّ ليلة خمسون فارسا، فإذا أذّن بالعشاء الآخرة داخل القاعة، وصلّى الإمام الرّاتب بها بالمقيمين فيها من الأستاذين وغيرهم، وقف على باب


= ٣٦٢: ٣ ح أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ١٥٨: ١٢).
(١) أبو حامد المقدسي: الفوائد النفيسة الباهرة في بيان حكم شوارع القاهرة ١٣.
(٢) المسبحي: نصوص ضائعة ٢٢؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٥٧: ٢.