الوزارة أنقاضا منها هذا الشّبّاك، فجعله في القبّة؛ وهو شبّاك جليل.
وأمّا العمامة والرّداء فما زالا بالقصر حتى مات العاضد، وتملّك السّلطان صلاح الدّين ديار مصر، فسيّرهما في جملة ما بعث من مصر إلى الخليفة المستضيء بأمر اللّه (a) العبّاسي ببغداد، ومعهما الكتاب الذي كتبه الخليفة القائم على نفسه وأشهد عليه العدول فيه أنّه لا حقّ لبني العبّاس، ولا له من جملتهم، في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزّهراء ﵍ وكان البساسيريّ ألزمه حتى أشهد على نفسه بذلك، وبعث بالإشهاد إلى مصر - فأنفذه صلاح الدّين إلى بغداد مع ما سيّر به من التّحف التي كانت بالقصر (١).
وأخبرني شيخ معمّر (b) أدركته بالخانقاه الركنية بيبرس - يعرف بابن الرّصّاص ويقال له الشيخ عليّ السّعودي (b)، ولد في سنة سبع وسبع مائة، (b) على ما ذكر لي مشافهة - وكانت لي به صحبة لكثرة ما كان عنده من الأخبار (b) قال: رأيت مرّة وقد سقط من ظهر الرّباط المجاور لخانقاه بيبرس، من جملة ما بقي من سور دار الوزارة، جانب ظهرت منه علبة فيها رأس إنسان كبير.
وعندي أنّ هذه الرّأس من جملة رءوس الأمراء البرقيّة الذين قتلهم ضرغام في أيام وزارته للعاضد بعد شاور. فإنّه كان عمل الحيلة عليهم بدار الوزارة، وصار يستدعي واحدا بعد واحد إلى خزانة بالدّار، ويوهمهم (c) أنّه يخلع عليهم، فإذا صار الواحد (d) منهم في الخزانة قتل وقطع رأسه، وذلك في سنة ثمان وخمسين وخمس مائة.
وكانت دار الوزارة في الدّولة الفاطمية تشتمل على عدّة قاعات ومساكن وبستان وغيره، وكان فيها مائة وعشرون مقسما للماء الذي يجري في بركها ومطابخها ونحو ذلك (٢).
ذكر رتبة الوزارة وهيئة خلعهم ومقدار جاريهم وما يتعلّق بذلك - (e)
الوزارة عبارة عن رجل موثوق به في دينه وعقله يشاوره الخليفة فيما يعنّ له من الأمور. واشتقّ الوزير من الوزر - بكسر الواو - وهو الثّقل، فكأنّه يحمل عن الخليفة ثقل الأمور؛ وقيل مشتقّ من الوزر - بفتح الواو والزاي - وهو المكان الممتنع في الجبل يلجأ إليه ويمتنع فيه، فكأنّ الوزير يلجأ إليه الخليفة فيما يعنّ
(a) بولاق: المستضيء باللّه. (b) (b-b) إضافة من المسودة. (c) بولاق: يوهم. (d) بولاق: واحد، المسودة: أحدهم. (e) (e-e) حاشية بخط المؤلف. (١) مصدر هذا الخبر في المسودة هو ابن دحية: النبراس في مناقب بني العباس ١٣٩؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٢٥٧. (٢) المقريزي: المسودة ٢٥٧ - ٢٥٨.