للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعشرين وسبع مائة، وقد ذكر في موضعه من هذا الكتاب (١).

ذكر ما كانت عليه أرض مصر في الزّمن الأوّل

قال المسعوديّ: وقد كانت أرض مصر - على ما زعم أهل الخبرة والعناية بأخبار شأن العالم - يركب أرضها ماء النّيل، وينبسط على بلاد الصّعيد إلى أسفل الأرض، وموضع الفسطاط في وقتنا هذا. وكان بدء ذلك من موضع يعرف بالجنادل بين أسوان والنّوبة، إلى أن عرض لذلك موانع من انتقال الماء وجريانه، وما ينقل من البريّة بتيّاره (a) من موضع إلى موضع، فنضب الماء عن بعض المواضع من بلاد مصر، وسكن الناس بلاد مصر، ولم يزل الماء ينضب عن أرضها قليلا قليلا، حتى امتلأت أرض مصر من المدن والعمائر، وطرقوا للماء وحفروا له الخلجان، وعقدوا في وجهه المسنّيات (b)، إلى أن خفي ذلك على ساكنيها، لأنّ طول الزّمان ذهب بمعرفة أوّل سكناهم كيف كان (٢). انتهى.

قلت: وممّا ذكر أرسطاطاليس في كتاب «الآثار العلوية» أنّ أرض مصر كان النّيل ينبسط عليها فيطبقها كأنّها بحر، ولم يزل الماء ينضب عنها، وييبّس ما علا منها أوّلا فأوّلا ويسكن، إلى أن امتلأت بالمدن والقرى والناس.

ويقال إنّ الناس كانوا قبل سكنى مدينة منف يسكنون بسفح الجبل المقطّم في منازل كثيرة نقروها، وهي المغاير التي في الجبل المقابل لمنف من قبلي المقطّم، في الجبل المتّصل بدير القصير الذي يعرف بدير البغل، المطلّ على ناحية طرا. ومن وقف عند أهرام نهيا، رأى المغائر في الجبل (c) الشرقي وبينهما النّيل، ومن صعد من طرا إلى الجبل وسار فيه دخلها؛ وهي مغاير متّسعة، وفيها مغائر تنفذ إلى القلزم تسع المغارة منها أهل مدينة، وإذا دخلها أحد ولم يهتد على ما يدلّه على المخرج هلك في تحيّره.

ويقال كانت مصر جرداء لا نبات بها، فأقطعها متوشلخ بن خنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم لطائفة من أولاده. فلمّا نزلوها وجدوا نيلها قد سدّ ما بين


(a) بولاق: وما يتصل من النوبة بتياره.
(b) بولاق: المسببات.
(c) ساقطة من بولاق.
(١) فيما يلي ١٤٥: ٢.
(٢) المسعودي: مروج الذهب ٧٣: ٢.