للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمّا رأينا الخضر يقدم جيشه … أبدا علمنا أنّه الإسكندر

وما برح على رتبته إلى ثامن عشر شوّال سنة إحدى وسبعين وستّ مائة، فقبض عليه واعتقل بقلعة الجبل، ومنع الناس من الاجتماع به. ويقال إنّ ذلك بسبب أنّ السّلطان كان أعطاه تحفا قدمت من اليمن، منها كرّ (١) يمني مليح إلى الغاية، فأعطاه خضر لبعض المردان. فبلغ ذلك الأمير بدر الدّين الخازندار النائب - وكان قد ثقل عليه بكثرة تسلّطه، حتى لقد قال له مرّة بحضرة السّلطان: كأنّك تشفق على السّلطان وعلى أولاده مثل ما فعل قطز بأولاد المعزّ - فأسرّها في نفسه، وبلّغ خبر الكرّ اليمني إلى السّلطان. فاستدعاه، وحضر جماعة حاققوه على أمور كثيرة منكرة - كاللواط والزّنا ونحوه - فاعتقله، ورتّب له ما يكفيه من مأكول وفاكهة وحلوى.

ولمّا سافر السّلطان إلى بلاد الرّوم، قال خضر لبعض أصحابه: إنّ السّلطان يظهر على الرّوم - ويرجع إلى دمشق فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما. فكان كذلك، ومات خضر في محبسه بقلعة الجبل في سادس المحرّم، أو سابعه، من سنة ستّ وسبعين وستّ مائة، وقد أناف على الخمسين، فسلّم إلى أهله، وحملوه إلى زاويته هذه، ودفنوه فيها.

وكان السّلطان قد كتب بالإفراج عنه، فقدم البريد بعد موته، ومات السّلطان بدمشق، في سابع عشرين المحرّم المذكور، بعد خضر بعشرين يوما.

وهذه الزّاوية باقية إلى الآن (a).

[زاوية ابن منظور]

هذه الزّاوية خارج القاهرة بخطّ الدّكّة بجوار المقس، عرفت بالشّيخ جمال الدّين محمد ابن أحمد بن منظور بن ياسين بن خليفة بن عبد الرّحمن، أبو عبد اللّه الكناني العسقلاني الشّافعيّ الصّوفي، الإمام الزّاهد (٢). كانت له معارف وأتباع ومريدون ومعرفة بالحديث؛ حدّث عن أبي الفتوح الجلاجلي (b)، وروى عنه الدّمياطي والدّواداري وعدّة من الناس، ونظر في الفقه، واشتهر


(a) بولاق: اليوم.
(b) بولاق: الجلالي.
(١) الكرّ - بالفتح والضم - قطعة من قماش تصنع منها العمائم (Dozy، Suppl.Dict.Ar.II، ٤٦٠).
(٢) ترجمته عند الصفدي: الوافي ١٠٤: ٢؛ المقريزي: المقفى الكبير ٢٨١: ٥ - ٢٨٢.