للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تزل هذه الكنيسة بالحمراء إلى أن كانت «واقعة هدم الكنائس»، في أيّام الناصر محمد ابن قلاوون، علي ما يأتي ذكر ذلك والخبر عن هدم جميع كنائس أرض مصر وديارات النصارى في وقت واحد.

كنيسة الزّهري

كانت في الموضع الذي فيه اليوم البركة الناصرية، بالقرب من قناطر السّباع، في برّ الخليج الغربي غربي اللوق.

واتّفق في أمرها عدّة حوادث؛ وذلك أنّ الملك الناصر محمد بن قلاوون لمّا أنشأ ميدان المهارى، المجاور لقناطر السّباع، في سنة عشرين وسبع مائة، قصد بناء زربيّة على النيل الأعظم بجوار الجامع الطيبرسي. فأمر بنقل كوم تراب كان هناك، وحفر ما تحته من الطين لأجل بناء الزّربيّة، وأجرى الماء إلى مكان الحفر، فصار يعرق إلى اليوم ب «البركة الناصريّة» (١).

وكان الشّروع في حفر هذه البركة من آخر شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وسبع مائة.

فلمّا انتهى الحفر إلى جانب كنيسة الزّهري - وكان بها كثير من النصارى لا يزالون فيها، وبجانبها أيضا عدّة كنائس في الموضع الذي يعرف اليوم بحكر آقبغا، ما بين السّبع سقايات وبين قنطرة السّدّ خارج مدينة مصر (٢) - أخذ الفعلة في الحفر حول كنيسة الزّهري، حتى بقيت قائمة في وسط الموضع الذي عيّنه السّلطان ليحفر، وهو اليوم بركة الناصريّة، وزاد الحفر حتى تعلّقت الكنيسة. وكان القصد من ذلك أن تسقط من غير قصد لخرابها.

[واقعة الكنائس] (٣)

وصارت العامّة، من غلمان الأمراء العمّالين في الحفر، وغيرهم في كلّ وقت يصرخون على الأمراء في طلب هدمها، وهم يتغافلون عنهم؛ إلى أن كان يوم الجمة التاسع من شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وقت اشتغال الناس بصلاة الجمعة،


= السّيف والقلم أبي سعد منصور (ابن الصّيرفي: الإشارة إلى من نال الوزارة ٩٣؛ ابن ميسر: أخبار مصر ٣١، ٥٦؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢٧٢: ٢)، وأحرقت هذه الكنيسة في حريق الفسطاط سنة ٥٦٤ هـ/ ١١٦٨ م.
(١) انظر النويري: نهاية الأرب ١٦: ٣٣؛ المقريزي: السلوك ٢١٦: ٢؛ وفيما تقدم ٥٤٩: ٣ - ٥٥٠، ٦٣٠ - ٦٣١، ٣٠٣: ٢.
(٢) فيما تقدم ٣٨٤: ٣ - ٣٨٦.
(٣) راجع تفاصيل واقعة الكنائس كذلك عند، النويري: نهاية الأرب ١٤: ٣٣ - ١٥؛ ابن أيبك: كنز الدرر -