وسرح الطائر إلى السّلطان بخروج أهل الإسكندرية عن الطّاعة، فاشتدّ غضبه، وخشى من إطلاقهم الأمراء المسجونين، وبعث إلى القضاة فجمعهم واستفتاهم في قتالهم، فكتبوا بما يجب.
وخرج إليهم الوزير مغلطاي الجمالي، وطوغان شادّ الدّواوين، وأيدمر أمير جندار، وعدّة من المماليك السّلطانية، وناظر الخاصّ، ومع الوزير تذكرة بإراقة دماء أهل الفساد، ومصادرة جماعة، وأخذ أموال أهل البلد، والقبض على الأسلحة المعدّة بها للغزاة، وإمساك القاضي والشّهود، وحمل الأمراء المسجونين إلى القاهرة.
فساروا في عاشره، وقدموا الثّغر بعد ثلاثة أيام، ونزل الوزير بالخيس، وفرض على النّاس خمس مائة ألف دينار مصرية، وأحضر قاضي القضاة عماد الدين ونائبه في الحديد، وأنكر عليهما كونهما شهرا النّداء في البلد بالغزاة في سبيل اللّه. فأنكرا وقوع هذا منهما (a)) وإنّما كان من غيرهما (a)، وأنّهما لم يكن في قدرتهما ردّ السّواد الأعظم. فضرب نائبه ابن التّنسي (b) ضربا مبرّحا، وألزمه بحمل ستّ مائة ألف درهم، وألزم القاضي بخمس مائة ألف درهم، وكان قد رسم بشنقه، فتلطّف في مكاتبة السّلطان، واعتذر عنه وبرّأه حتى عفا عنه.
وتتبّع العامّة، فوسّط منهم ثلاثين رجلا في يوم الجمعة ثالث عشرة، فتسارع الناس إلى دورهم من الخوف، فذهبت عدّة عمائم، واشتدّ الخوف مدّة عشرين يوما، وكتب السّلطان تتوالى بالإيقاع بأهل الثّغر وأخذ أموالهم، والوزير يحسن في الجواب إلى أن جهّز الأمراء المسجونين وسار من الثّغر، وقد استعرض ما به من السّلاح فوجد ستة آلاف عدّة كاملة، جعلها جميعها في قاعة وختم عليها، وبلغت الجباية من النّاس ما ينيف على مائتين وستين ألف دينار. فكانت هذه من المحن العظيمة، والحوادث الشّنيعة.
[ذكر مدينة أتريب]
هذه المدينة بناها أتريب بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح (١). قال ابن وصيف شاه:
وكان أتريب قد انتقل إلى حيّزه بعد موت أبيه قبطيم، وهي المدينة التي كان أبوه بناها له، وكان
(a-a)) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: الشيبي. (١) مدينة مندرسة يدل على موقعها الآن التلول التي بأحواض أتريب الواقعة في الجهة الشمالية من سكن بندر بنها