للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يبق الآن من العسكر ما هو عامر سوى جبل يشكر الذي عليه جامع ابن طولون، وما حوله من الكبش وحدرة ابن قميحة، إلى خطّ السّبع سقايات وخطّ قناطر السّباع إلى جامع ابن طولون.

وأمّا سوق الجامع من قبليه، وما وراء ذلك إلى المشهد النّفيسي وإلى القبيبات والرّميلة تحت القلعة، فإنّما هو من القطائع، كما ستقف عليه عند ذكر القطائع، وعند ذكر هذه الخطط إن شاء اللّه.

وطال ما سلكت هذا الفضاء الذي بين جامع ابن طولون وكوم الجارح حيث كان العسكر، وتذكّرت ما كان هنالك من الدّور الجليلة والمنازل العظيمة والمساجد والأسواق والحمّامات والبساتين والبركة البديعة والمارستان العجيب، وكيف بادت حتى لم يبق لشيء منها أثر ألبتّة، فأنشدت أقول:

[المتقارب]

وبادوا فلا مخبر عنهم … وماتوا جميعا وهذا الخبر

فمن كان ذا عبرة فليكن … فطينا ففي من مضى معتبر

وكان لهم أثر صالح … فأين هم ثمّ أين الأثر؟

وسيأتي لذلك مزيد بيان عند ذكر القطائع، وعند ذكر خطّ قناطر السّباع وغيره من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى (١).

[اذكر من نزل العسكر من أمراء مصر من حين بني إلى أن بنيت القطائع]

اعلم أنّ أمراء مصر ما برحوا ينزلون فسطاط مصر، منذ اختطّ بعد الفتح إلى أن بنى أبو عون العسكر، فصارت أمراء مصر من عهد أبي عون إنّما ينزلون بالعسكر. وما برحوا على ذلك إلى أن أنشأ الأمير أبو العبّاس أحمد بن طولون القصر والميدان والقطائع، فتحوّل من العسكر إلى القصر وسكن فيه، وسكنه الأمراء من أولاده بعده إلى أن زالت دولتهم. فسكن الأمراء بعد ذلك العسكر إلى أن زالت دولة الإخشيدية، بقدوم جوهر القائد من المغرب.

وأوّل من سكن العسكر من أمراء مصر أبو عون عبد الملك بن يزيد، من أهل جرجان، ولي صلاة مصر وخراجها باستخلاف صالح بن عليّ له في مستهلّ شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة (٢).


(١) انظر فيما يلي ١٣٥: ٢ - ١٣٦، وانظر وصفه للقطائع فيما يلي ٨٠ - ٩٤.
(٢) الكندي: ولاة مصر ١٢٣.