سوّدوا قطائع، منها منية بولاق (a) وقرى أهناس وغيرها (١).
ثم من بعد صالح بن عليّ، سكن أمراء مصر العسكر، وأوّل من سكنه أبو عون.
[ذكر العسكر الذي بني بظاهر مدينة فسطاط مصر]
اعلم أنّ موضع العسكر كان (b) يعرف في صدر الإسلام بالحمراء القصوى. وقد تقدّم أنّ الحمراء القصوى كانت خطّة بني الأزرق وبني روبيل وبني يشكر بن جزيلة، ثم دثرت هذه الخطط بعد العمارة بتلك القبائل حتى صارت صحراء. فلمّا قدم مروان بن محمد - آخر خلفاء بني أميّة - إلى مصر منهزما من بني العبّاس، نزلت عساكر صالح بن عليّ وأبي عون عبد الملك بن يزيد في هذه الصّحراء - حيث جبل يشكر - حتى ملأوا الفضاء، وأمر أبو عون أصحابه بالبناء فيه، فبنوا وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
فلمّا خرج صالح بن عليّ من مصر، خرب أكثر ما بني فيه إلى زمن موسى بن عيسى الهاشمي، فابتنى فيه دارا أنزل فيها حشمه وعبيده، وعمّر النّاس.
ثم ولي السّريّ بن الحكم، فأذن للنّاس في البناء، فابتنوا فيه وصار مملوكا بأيديهم، واتّصل بناؤه ببناء الفسطاط، وبنيت فيه دار الإمارة ومسجد جامع عرف ب «جامع العسكر»، ثم عرف ب «جامع ساحل الغلّة».
وعملت الشّرطة أيضا في العسكر، وقيل لها «الشّرطة العليا»، وإلى جانبها بنى أحمد بن طولون جامعه الموجود الآن. وسمّي من حينئذ ذلك الفضاء ب «العسكر»، وصار أمراء مصر إذا ولّوا ينزلون به من بعد أبي عون، فقال النّاس من يومئذ: «كنّا بالعسكر، وخرجنا إلى العسكر (٢)، وكتب من العسكر»، وصار مدينة ذات محالّ وأسواق ودور عظيمة.
وفيه بنى أحمد بن طولون مارستانه، فأنفق عليه وعلى مستغله ستين ألف دينار، وكان بالقرب من بركة قارون التي صارت كيمانا، وبعضها بركة على يسرة من سار من حدرة ابن
(a) الكندي: قطائع بالميمون وهي في الواحات الخارجة. (b) بولاق: قد كان. (١) الكندي: ولاة مصر ١٢٢. (٢) انظر Fu'?d Sayyid، A.، op.cit.، pp. ٢٨ - ٣٤؛ وفيما يلي ٢٦٤: ٢ - ٢٦٥.