وقال المسبّحيّ: إنّ الحاكم أنزل إلى جامع ابن طولون ثمان مائة مصحف وأربعة عشر مصحفا.
وفي سنة ستّ وسبعين وثلاث مائة، في ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى، احترقت الفوّارة التي كانت بجامع ابن طولون فلم يبق منها شيء. وكانت في وسط صحنه قبّة مشبّكة من جميع جوانبها وهي مذهّبة، على عشر عمد رخام،/ وستة عشر عمود رخام في جوانبها، مفروشة كلّها بالرّخام. وتحت القبّة قصعة رخام فسحتها أربعة أذرع، في وسطها فوّارة تفور بالماء، وفي وسطها قبّة مزوّقة يؤذّن فيها وفي أخرى على سلّمها، وفي السّطح علامات الزّوال، والسّطح بدرابزين ساج فاحترق جميع هذا في ساعة واحدة.
وفي المحرّم سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، أمر العزيز باللّه بن المعزّ ببناء فوّارة عوضا عن التي احترقت. فعمل ذلك على يد راشد الحنفي، وتولّى عمارتها ابن الرّوميّة وابن البنّاء. وماتت أمّ العزيز في سلخ ذي القعدة من السّنة. واللّه أعلم.
[تجديد الجامع]
وكان من خبر جامع ابن طولون أنّه لمّا كان غلاء مصر في زمان المستنصر، وخربت القطائع والعسكر، عدم السّاكن هناك، وصار ما حول الجامع خرابا (١). وتوالت الأيّام على ذلك، وتشعّث الجامع، وخرب أكثره، وصار أخيرا ينزل فيه المغاربة بأباعرها ومتاعها عند ما تمرّ بمصر أيّام الحجّ (٢).
(١) لم يشر المقريزي إلى أعمال الصّيانة والتّرميم التي قام بها في الجامع الخلفاء الفاطميون المتأخّرون ووزراؤهم، حيث أصلح أمير الجيوش بدر الجمالي الباب الشّمالي الشّرقي لسور الجامع الخارجي في صفر سنة ٤٧٠ هـ/ سبتمبر سنة ١٠٧٧ م كما تدلّ على ذلك الكتابة الموجودة بأعلى الباب van) Berchem M.، CIA Egypte I، n ٠ ١١; Salmon، G.، (op.cit.، p. ٢٥؛ محمود عكوش: تاريخ ووصف الجامع الطولوني ٨٩؛ Wiet، G.، CIA Egypte II، pp. ١٥١ - ٥٢; (id.، RCEA VII، n ٠٢٧١٦. وأنشأ ولده الوزير الأفضل شاهنشاه محرابا جديدا للجامع في سنة ٤٨٧ هـ/ ١٠٩٤ م، ما زال يوجد على أحد دعائم بيت الصّلاة إلى الآن. van) Berchem، M.، op.cit.، I، ٠١٢; Wiet.، G.، RCEA VIII، n ٠٢٨٠٦; Fu'ad Sayyid، A.، La capitale de L ٢ I'Egypte، pp. ٤٦٠ - ٦٢؛ كما نفّذ القاضي أبو الثّريّا نجم بن جعفر بعض الأعمال في الجامع باسم الخليفة الحافظ لدين اللّه يدلّ عليها شريط من الكتابة بالخطّ الكوفي في إطار خشبي يفيد أنّها تمّت في شوّال سنة ٥٢٦ هـ/ يناير ١١٣٢ م. van Berchem، M.، op.cit.، I، p. ٣٥ n ٠ ١٣; Wiet، G.، CIA II، p. ١٨١ n ٠٥٦٦، id.، RCEA VIII، n ٠ ٣٠٤٨؛ محمود عكوش: المرجع السابق ٩٠). (٢) ابن جبير: الرحلة ٢٦ - ٢٧، وفيه: «جعله السّلطان - يعني النّاصر صلاح الدّين يوسف بن أيّوب - مأوى للغرباء من المغاربة يسكنونه ويحلّقون فيه، وأجرى عليهم الأرزاق في كلّ شهر».